الثورة:
خسارتان كبيرتان للثقافة العربية, رحيل الدكتور والشاعر الناقد نذير العظمة, ومن ثم الشاعر الكبير أيضاً شوقي بغدادي, كلاهما في المشهد الشعري والفكري له قصب السبق فيما أنجز وقدّم, شوقي بغدادي بين القصة والشعر والحداثة والأصالة, وهو ذو الرؤى الاستشرافية في إبداعه المتميز, انشغل بالكتابة للأطفال وقدم الكثير لهم, والتفت إلى شيء ما يخص الروح, وهو الذي يقرأ رحيله ذات ليل دون وداع إذ يقول:
أقبل الليل
وكان الباب مفتوحاً
فأفسحت مكاناً للتي تأتي ولا تأتي
فتقضي ساعةً عندي
وتمضي في أمان
إيه يا زائرة الليل
التي تقرع بابي
ثم لا تدخل إلا في غيابي
من تُرى في هذه المرة
من غيرك
أم لا أحد إلا أنا والريح
في الكهف الذي امتص كياني
أتقرّى فوق ثلج الحائط الصخري
تشكيلاً بدائياً
لما يشبه صياداً على ظهر حصان
باحثاً عن فجوة أطلقه منها
وأنجو معه
لكنه يهرب من دوني
وأبقى في مكاني
إنني أبحث عن حب
وهذا الحب في غير زماني
وأنا أعرف أني ساذج
أُبدع نصاً فارغاً
يملؤه القراء من بعدي بآلاف المعاني
إنني أبحث عن دائرة الوجه
التي تحتضن الدنيا
وعن أرجوحة الشعر التي تقذفني
حتى حدود الكون في بضع ثواني
وأنا أدرك أني واهم
أصنع للناس إطاراً خالياً
يملؤه الزوار من وحي الدخان
ما الذي يحجب هذا الوجه عني
ألأني مثلما الماء على الرمل يغني
ويرى اثنين من العشاق
فوق الشاطئ الواحد لا يلتقيان
أم لأن الوجه لم يوجد
سوى في ابتكار الروح أسطورتها
والمغني جسداً يعبده
من دم اللحن
وأعصابِ الأغاني
أقبل الليل
فغادرت, وأغلقت ورائي
سوف أختار أنا
في هذه المرة زواري
فيا زائرة الليل ارجعي
إنني أبحث عن شيء يخص الروح
في هذا المساء
هذا وقد نعى اتحاد الكتاب العرب في سورية الشاعر الراحل, إذ جاء في بيانه:
بعد حياة حافلة بالأدب والإبداع والتفرد بجماليات النص الشعري، فجع الوسط الثقافي والأدبي برحيل الشاعر والأديب المبدع الأستاذ شوقي بغدادي أحد أهم الرموز والأسماء الشعرية في سورية والوطن العربي في العصر الحديث عن ٩٣ عاماً. ومن المعروف أن راحلنا الكبير كان صاحب الدور الفاعل في تأسيس أول تنظيم أدبي سوري ١٩٥١، والذي عرف ب ” رابطة الكتاب السوريين” إلى جانب شخصيات أدبية وثقافية سورية ما زال لها ألقها الثقافي مثل: حنا مينة وسعيد حورانية وفاتح المدرس وغيرهم، كما كان له الدور المهم والكبير في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ١٩٦٩.
ولعل من أهم ما يميز تجربة الأديب الشاعر شوقي بغدادي انحيازه لقضايا الفقراء والمظلومين من أبناء أمته، تماماً كما كان منحازاً إلى قضاياها المصيرية ومنها قضية فلسطين التي كانت بمنزلة الجرح الذي ينز في معظم حروفه وكتاباته.
إن اتحاد الكتاب العرب إذ ينعي بكثير من الأسى والحسرة فقدان الشاعر المبدع المجدد شوقي بغدادي فإنه يتوجه بأصدق التعازي إلى عائلته وأهله وذويه وقرّائه ومحبّيه وإلى جميع الأدباء والمثقفين في سورية والوطن العربي، مؤكداً أن الإرث الثقافي والإبداعي الكبير الذي تركه شاعرنا كفيل بتخليد اسمه في ضمائر مثقفي الأمة ومبدعيها على مساحة الوطن.
محطات
ولد شوقي جمال بغدادي يوم 26 تموز 1928/ في بانياس ونشأ فيها. تنقل بين مدارس رسمية متعددة فيها وفي طرابلس بلبنان مند 1934 حتى 1939، ثم اللاذقية 1939-1945. درس الثانوية في دمشق 1946-47، ثم تابع دراسته في جامعة دمشق فانتسب بعد الثانوية إلى المعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة دمشق، وتخرج منها بإجازتين في الأدب العربي والتربية صيف 1951.
وبعد تخرجه، درّس في مرحلة الثانوي، وانضم إلى اتحاد الكتاب العرب في 1951، ونقابة المعلمين في دمشق. أقام في لبنان عامين ونصف 1959-61 وخمس سنوات في الجزائر 1968-72 مدرّساً، ثم تفرغ للكتابة.
من مؤلفاته
..قصصه:
«درب إلى القمة»، بالاشتراك، 1952
«حيّنا يبصق دمًا»، 1954
«بيتها في سفح الجبل، 1977
«عودة الطفل الجميل»، 1985
«مهنة اسمها الحلم»، 1986
«المسافرة»، رواية، 1994
«فتاة عادية»، 1998
من مجموعاته الشعرية:
«أكثر من قلب واحد»، 1955
«لكل حب قصة»، 1962
«أشعار لا تحب»، 1968
«بين الوسادة والعنق»، 1974
«ليلى بلا عشاق»، 1979
«قصص شعرية قصيرة جدًا»، 1981
«كم كل بستان»، 1982
«رؤيا يوحنا الدمشقي»، 1991
«شيء يخص الروح»، 1996
«البحث عن دمشق»، 2003
«ديوان الفرح»، 2010
وله للأطفال:
«عصفور الجنة»، حكايات شعرية للأطفال، 1982
«القمر على السطوح»، ديوان شعر للأطفال، 1984
وله أيضًا:
«قديم الشعر وجديده»، بالاشتراك، 1986
«عودة الاستعمار: من الغزو الثقافي إلى حرب الخليج»، بالاشتراك، 1992
«قلها وامش»، مجموعة خواطر، 1994
«تلك الليلة»، مسرحية، 2008
ونشرت له:
«الأعمال الشعرية الكاملة»، 2006