الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
حتى الآن لم يتمكن (أدب الاعتراف ) من فرض وجوده، رغم محاولات الكثير من الأدباء والمفكرين والمثقفين من كتابة سيرهم الذاتية والتي لا تغدو كونها قصصاً ذاتية فيها ما فيها من سرديات شخصية عن مواقف حياتية عديدة، لكنها لم تصل إلى حد الاعتراف بمواقف حياتية أوصفات سلبية أو أشياء سيئة، تُظهر الوجه السلبي لهذا الكاتب أو ذاك .. والمتتبع لهكذا كتابات يشعر بقلّتها إن لم نقل ندرتها في خارطة الإبداع العربي، ويبرر هؤلاء ذلك بجملة من الأسباب لعل أبرزها القيود المجتمعية التي تلازم الأديب وتفرض عليه نوعاً من التغطية والتعتيم .. والسبب الثاني مساحات الحرية المتاحة للبحث والخوض في قضايا ومسائل تجاوزها الغرب ..في حين بقي مجتمعنا العربي أسير الكثير من العادات والقيود والخطوط الحمر، والتي تمنع أو تحّد من اعتراف الأديب بأخطائه وسلبياته وسقطاته وإخفاقاته و… ، وهذا بحد ذاته جعل الأديب يتحفظ أو يبتعد كليّاً عن سرد اعترافاته وأسرار حياته، عبر مذكراته الشخصية، أو من خلال كتب مستقلة ! السؤال الذي يمكن طرحه ضمن هذا السياق : هل يستطيع الكاتب أن يبوح بتفاصيل حياته الخاصة ويقول الحقيقة والتي قد تكون غير مقبولة مجتمعياً، أو مرفوضة ؟ لاعتبارات عديدة أخلاقية، سياسية، اجتماعية ..؟ وهل ما يقدمه من يوميات ووقائع وأحداث ومذكرات ومشاهدات، يندرج ضمن (أدب الاعتراف )، والذي يرى فيه البعض من الأدباء والنقاد، قيمة مضافة للأديب الذي أراد أن يقول ما لم يقله في الشعر أو القصة أو الرواية أو …؟ إنّ الولوج في كتابة السيرة الذاتية ليس بالسهولة التي قد يتصوره البعض، فالذاكرة وحدها لا تكفي، وخاصة مع تقدم العمر وبالتالي لا بد من كتابة اليوميات التي تحتفظ بالحدث والواقعة كما هي .. قلّة من الأدباء في وطننا العربي خاضوا هذه التجربة، دونوا سيرهم الذاتية، وثّقوا الكثير من الأحداث والوقائع، ضمنوها الكثير من الاعترافات وما لم يتمكنوا من قوله في كتبهم ومؤلفاتهم، ولعلّ أبرز من كتب في هذا المضمار طه حسين في (الأيام )، أحمد أمين، ومن الكاتبات هدى شعراوي، لطيفة الزيّات، ونوال السعداوي و…. والتي اعتبرها البعض نقلة ثقافية، أو ظاهرة ثقافية انتقلت بالأديب من مرحلة تقليدية إلى مرحلة أكثر واقعية وعقلانية ..أو إعادة إنتاج لحياة الكاتب بطريقة أكثر جذباً وتقبّلاً من قبل القارىء والذي يرى فيها واقعية الحياة وتوثيق حيثياتها وتفاصيلها ببساطة وعفوية، وهذا ما اشتغل عليه في كتاباته : محمد حسنين هيكل، توفيق الحكيم، طه حسين، المازني، العقاد، جبرا إبراهيم جبرا و…. أياً يكن تصنيف كتابة السير الذاتية، لجهة جنسها الأدبي، فإنّ أدب الاعتراف هو أبعد من سيرة ذاتية، بل هو كتابة حياة بكل تشعباتها وتفاصيلها، ما ظهر منها وما بطن ؟ نجاحاتها وإخفاقاتها، خفاياها وأسرارها، وهي بالمحصلة شواهد حيّة على مراحل زمنيّة متعاقبة.
العدد 1130 – 31-1-2023