الملحق الثقافي- نبوغ محمد أسعد:
رواية حكاية حارة المؤيد الجن والعاشقات لمؤلفها الأديب عماد نداف جاءت بأسلوب سردي جميل ومحبب لأنه جمع كافة الأحداث في الرواية حول نقطة جوهرية ومحور أساسي في حارات الشام التي تعتبر مصدر محبة وإلهام وطني لكل سوري أو عربي عرف الشام أو سمع بها.
فالشام التي كانت مطمعاً للغريب ودارت فيها أزمات كثيرة هي مصدر إلهام لكل الأدباء الذين ينتمون إلى وطنهم في سورية، وصورها الكاتب في روايته كعروس مهما مرت عليها النكبات والمواجع.. دون أن يتخلى عن استخدام عوامل التأليف لفنية الرواية والدلالات التي كونها من حارة المؤيد وغيرها من منعطفات الشام الجميلة.
في حارة المؤيد محور الرواية.. يبدأ الروائي عماد نداف بنسج أحداث روايته لتكون هذه الحارة البيئة الأساسية التي تتصدر مع شخوصها مقدمة عمل الرواية ومنطلق المحبة الشامية التي كانت أساس التعامل الإنساني وتماسك أهالي هذه الحارة وغيرها على السراء والضراء دون التأثر بالخلافات أو ما يدور من حوارات قد لا تكون منسجمة في بعض الأحيان.
وفق ما وجدته في مدلولات الرواية ..ثمة إشارات وألغاز يريد بها المؤلف أن يسلط الضوء على كل أذى يمر بوطنه منذ أن كانت تلك الإشكالية التي سببها الجان إلى ما يسببه الجان في الوقت الحالي ..فالربط بين الماضي والحاضر أساس عاطفي وإنساني متدفق فيما يهدف إليه الكاتب منذ أن فكر في الذهاب إلى القلم والأوراق لكتابة روايته.
وهذا واحد من أبطال الرواية وهو فادي الذي كان يهذي بالمشفى حيث تتداعى لديه الذكريات ويسترجع الماضي ويربطه بالحاضر فهو واحد من أبناء حارة المؤيد ورمز دلالي للوطنية العالية المستوى التي تعرضت للهدم والخراب وأيضاً الدكتور خالد المؤيد صاحب علاقة بشكل أو بآخر بكثير من الأحداث بعد هجر زوجته الفرنسية إلى بلدها وترك القصر الذي سميت الحارة باسمه ليؤول إلى الخراب والدمار بسبب تلك القطط السوداء التي سكنت القصر ونسبت إلى الجن فآل إلى الدمار وتهجير السكان الأصليين تباعاً إلى مناطق مختلفة من سورية وهذا ما نألفه الآن بحجة أو بأخرى.
إذا أردنا أن نتابع أحداث الرواية وما دار فيها من أحداث سياسية في زمن القوتلي وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأديب الشيشكلي وأمين الحافظ وسعيد العطري وغيرهم نجد أن الأديب عماد نداف تعب كثيرًا في استحضار ذكريات في زمن مضى عن الحرب التي داهمت سورية ومصر ليصل إلى تداعيات حارة المؤيد التي كانت مقدمة للواقع الذي تلاها على يد هؤلاء وما حدث لأهل الحارة بأسلوب مقنع حيث استخدم أسماء بيئات وشخوص وحارات دمشقية مرت بذواكرنا منذ الصغر ..فبراعة السرد الروائي تجعلنا نتابع بشغف هذا التصوير الفني والجمالي إلى الجسر الأبيض وقاسيون وحواري دمشق العتيقة وباب توما وحديقة السبكي بعد أن أشعل عواطفنا وألعب فيها حلاوة التصوير والألفة المعهودة منذ حكايات حارة المؤيد مرورًا بحركة الأحداث وجماليات البيئة التي وصفها في الرواية والأشجار والأزهار والروائح الجميلة وتخزين جماليات التراث في خيالنا لنكون في دمشق الرمز الوطني الجميل.
الرواية مملوءة بجماليات السرد برغم كثرة الأحداث التاريخية التي لم يهددها أي استطراد وظلت متوازنة ببراعة إلى النهاية ونحن نتابع الإيجابيات والسلبيات ونرقب الفساد والدمار لنعلم أن الكاتب في ما يصبو إليه يعمد إلى حقيقة مهمة أن الوطن الذي تعرض لحروب إرهابية كونية كثيرة وبرغم الخسارات والدمار والخراب مازال واقفاً وصامدًا ومحافظًا على كثير من عنفوانه وصموده ووقوفه في وجه المؤامرات
وثمة أفكار يريدها الأديب عماد نداف هي الإشارة إلى ما يعانيه الناس من تعب وأوجاع ومحاولات إحباط عاشتها حارة المؤيد التي وصلت إلى التدمير وصولاً إلى الحاضر..ليدل في روايته إلى أن الأمل سيبقى عبقاً ..ومهما عاث الحاقدون سورية هي الأم التي تجمع ناسها على المحبة والأمان والسلام وسوف يأتي يوم ينتشر الدفء وتنطفئ الكآبة ..فالكاتب ببراعته الإبداعية وتصويره لاستمرار الأحداث استخدم كثيراً من الأساليب لفنية الرواية ومنها الخطف خلفاً ولاسيما في شخصية فادي الذي يعتبر من أهم شخوص الرواية لتبقى حكايات الشام بمدلولات تعبر الزمن ولتكون شخوص الرواية دلالات على ما فيها الشام من أخلاق وعادات وتقاليد جميلة وأصالة وهذا ما جاء أيضاً في شخصية ديمة الفتاة التي كان يهذي بها فادي وهي رمز للعفة والنقاء ..فالرواية جمعت بين جماليات السرد وقوة التعبير ليقدم الكاتب من خلالها كثيراً من الأحداث المترابطة ما بين الماضي والحاضر برمزية فائقة الدقة وليصل في النهاية إلى قناعة راسخة هي أن سورية مهما أتت عليها نكبات وحروب سيبقى هناك شيء يجمع بين أبنائها وهو حب التآلف والترابط الإنساني والأصالة التي ولدت لديهم بالفطرة .
الرواية هي عبارة عن مزيج من أحداث اجتماعية وسياسية ..تعالج قضايا مهمة.
العدد 1132 – 14-2-2023