الثورة – غصون سليمان
ربما كان موعداً مع الموت والحياة.. ساعة من القدر حددتها يوميات الزلزال الكارثة، إحساس عالي الوجع بين أن تكون تحت الأنقاض أو خارجها لعله الأكثر عمقاً في مقياس لهفة السوريين بكل مكوناتهم على بعضهم بعضاً.
ففي تلك اللحظات العصيبة من عمر الزمن السوري لم يدرك محسن حبيب طالب الهندسة الزراعية في جامعة حلب ذاك المسلسل الدراماتيكي الذي قلص مساحة الحياة إلى بضعة أنفاس مخطوفة.
يروي الطالب حبيب المشهد كحلم كاد أن يطير لكنه كابوس من العيار الثقيل، حين استيقظ على أصوات الضجيج غير المألوفة في حرم السكن الجامعي مع اقتراب انبلاج خيوط الفجر، حاول الطالب حبيب الوقوف إلأ أن اختلال التوازن وسقوطه على الأرض كان أسرع من تفسير أن ماحل به ربما هو نتيجة تعب بعد سهر ليل طويل لتقديم مادة امتحانية.. نهض الشاب على مضض وصدى الضجيج خارج الجناح يردد عبارة «هزة- زلزال»،أيقظ حبيب من كان معه من زملائه المتعبين الذين لم يمض على نومهم ربما ساعة ، وماهي إلا لحظات حتى خرجوا مسرعين كما الجميع بعد فصل الكهرباء عن الجناح.
ويتابع حبيب حديثه للثورة بالقول:
حين خرجت مسرعاً واجهني شخص يكاد يختنق مع فقدان توازنه على درج البناء
حاولت قدر الإمكان مساعدته كي لا يسقط على الأرض، في تلك اللحظة جاء أحد طلاب كلية الطب وتعاونا على إنقاذه من حالة بلع لسانه بإجراء بعض الإجراءات الإسعافية الطارئة
كان مشهد الطلبة والناس المحيطون في الحدائق والساحات كيوم الحشر.
في هذه الأثناء توزع مشرفو السكن بين الناس وطلبوا الابتعاد عن السكن خوفاً من أي هزة ارتدادية. وبعد دقائق من الهدوء ونظراً لقساوة الطقس البارد سارع من سارع من الطلبة في الصعود إلى غرفهم لارتداء ما يدفىء الجسد وخاصة البطانيات.. فيما طلاب كلية الطب وكل من لديه خبرة إلى حد ما بالاجراءات الإسعافية حاولوا إسعاف الكثير من حالات الإغماء إذ بعضها كان خطيراً تم نقلهم إلى المشفى الجامعي.
وهناك من قام أيضاً من طلاب وطالبات وكوادر إدارية ومشرفين بتهدئة النفوس وتقديم الدعم النفسي والنصيحة والتوعية وحسن التدبير في هكذا ظروف طارئة بعدما هدأت عاصفة الخوف.
وذكر الطالب حبيب كيف أنه وزملاء كثر قاموا بمساعدة مشرفي الوحدات بتفقد غرف السكن والتأمين عليها من حيث وصلات التدفئة وغيرها وإغلاق جميع الأبواب بعد تأمين الجهات المعنية حافلات لنقل الطلبة إلى مناطقهم ومحافظاتهم ولاسيما الطالبات.
فيما بقي الأغلبية العظمى من الشباب من مختلف الكليات وهو منهم في مدينة حلب لم يغادروها بل انخرطوا مع الفرق التطوعية وفرق الإنقاذ حيث الحاجة والضرورة تستدعيان أن يكون كل سوري قادر في قلب الحدث أن يجبر خاطراً ويعين محتاجاً، ويرسم ابتسامة.
هؤلاء هم السوريون نبض واحد في جسد سورية.
