الملحق الثقافي- خالد حاج عثمان:
أعلمت كيف تغدو القلوب في شتى الصدور قلباً واحداً ..تخفق في صدر وحيد..
أو الأرواح في فضاءاتها روحاً واحدةً ؟
أعرفت كيف تصير الدموع في العيون والمآقي دمعةً واحدةً كأنّما المقل جميعها مقلةً واحدةً ؟
أأدركت كيف تتجمع الأجساد تتحد فتصير في جسد وحيد ..»إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى…»؟
أفهمت كيف تتجمع روافد الجدول مكونة نهراً كبيراً من الخير والعطاء ..الكرم والنعم…؟
أانتبهت إلى شعب محبَّ ..يظهر معدنه وذهبه في الملمات ؟
أعلمت كيف تجري دماء السوريين في شريان واحدِ ..وتنبض في قلب واحدِ دفقاً ..متآخيةً في خفقة واحدة ؟
إنهم السوريون..وإنها سورية..!
إنها «جبلة..»انها سورية
وإنهم» الجبلاويون»
المحبون..المتعاضدون الغيورون المتلاحمون الواقفون معاً وإلى جانب بعضهم في الكوارث والنكبات والكوارث…وغضب الطبيعة…والبشر..،؟
– الحكاية-
الحكاية بدأت صباح يوم الاثنين الواقع في ٦/٢/٢٠٢٣
الساعة الرابعة وسبع عشرة دقيقة..
كلّ الكون ارتجف..اهتز..رقص ليس من طرب بل أنّ من وجع..
السماء غاضبة..ترسل برقها..تقصف برعودها.تنهمر سحبها مطراً غزيراً… وبرداً كأنًه حصىً..أو سجيلٌ ..
الوقت كان أول السحر..الأرض تميد..»كأنما ترجف الراجفة» ..كلّ شيء اهتزّ ..تزلزل..كلّ شيء قد أنبأ بالكارثة…
الناس نيام..وبعضهم كاد..تعالت الأصوات امتزجت مع صراخ وعنين الكارثة..الناس يخرجون..من بيوتهم..يهبطون سلالم منازلهم…ووو
لم يمهل زلزال الموت الناس جميعاً..
تعالت أصوات البكاء وصرخات الأطفال تماهت مع تلاوة سورة الزلزلة « بسم اللة الرحمن الرحيم..
إذ زلزلت الأرض زلزالها…» ..
الناس مذعورون..سكارى وماهم بسكارى ولكن هول الكارثة شديد..
ثلاثون ثانيةً ..أبنية اهتزت..تصدّعت ..وبعضها انهدمت صارت أثراً بعد عين..شهداء..تحت الأنقاض. منهم جرحى مفقودون..وأسر بالكامل زالت..
كان وقع الكارثة مهولاً في اللاذقية.. وجبلة ..أحياء ومناطق وقرى الرميلة ..العسالية..البلدة القديمة…شارع الغزالات الفيض…المحلق..الريف القريب والبعيد..
دور كانت عامرة بالبشر أضحت قبوراً أو أنقاض قبور.
أبناء رحلوا.. أطفال ماتوا وهم يتمسكون بوالديهم…عيون نامت ولم يمهلها الزلزال أن تستيقظ….
هدأت الأرض..لكن السماء مازالت غاضبة ترسل مطرها ممزوجاً بالريح العاتية والبرد…
أصاب الناس الارتباك فعجزوا عن فهم ماجرى..طلع الفجر..
أذكر أن ديك جارنا لم يصح يومها.
طلع الصباح..وتكشفت الصورة المهولة المرعبة..
البيوت الأرضية فتحت أمام الجميع..سكان الأبنية ضمتهم الدور السفلية..توزعت الأغطية..لم تعد هناك حواجز بين الجيران…
فتحت الأمكنة وحتى المستودعات والأبنية أمام الجميع وقد هجر هؤلاء بيوتهم..
شهداء كثيرون فاضت أرواحهم إلى بارئها..
جرحى مفقودون بقوا تحت الأنقاض..في الأماكن التي باغتها الزلزال في ريف جبلة والمدينة…
منكوبون على مدى جغرافية المحافظة ومناطقها..طلع الصباح..
ففزع الشباب والرجال إلى المساعدة انتشروا في مواقع التضرر فوق الأنقاض يسألون ينادون يبحثون يرفعون الحجارة بأيديهم مايستطيعون بحثاً عن الناجين..
الجميع يتفقد أهله وأحباءه في المواقع المتضررة غير عابئين بالبرد والمطر والريح والهزات الارتدادية..
الجميع نسي نفسه وأسرته وتوجه يساعد في مراكز الإيواء..الجوامع..والمدارس والملاعب وصالات التعزية والمبرّات والمشافي..
مساعدات من أفراد ورجال خيرين عرفوا بكرمهم ومساعدتهم للناس في الحياة العادية…وأظهروا كرمهم في هذه الملمة عبر تقديم كلّ ماتنتجه بعض أفران المدينة…والمطاعم ومحلات المأكولات والوجبات السريعة…
كما تعهد بعض الأطباء إلى تقديم الرعاية الطبية والفحوصات مجاناً…وهناك
مؤسسات وجمعيات مدنية وأهلية تطوعية ورسمية…والأندية الرياضية
قدّمت مساعدات عينية ومادية..كألبسة الأطفال وأطعمة وأدوية ومايلزم الأطفال من أغذية وأدوية وحاجات أخرى..
إن الحديث في هذا المجال يبقى مفتوحاً على مظاهر خيرة وسلوكيات أخلاقية وعادات نبيلة التصقت بالإنسان والمجتمع في جبلة…
سلوكيات أظهرت مدى تعاضد المواطنين ومساعدتهم بعضهم بعضاً ضاربين في تصرفهم أمثولة في التكافل الاجتماعي الخير..
حتى إن البعض اقتسم بيته مع تضرر وأصبح بلا بيت أو سقف يقيه البرد والمطر والظروف الصعبة والفقر وتداعيات الكارثة الزلزالية يوم الاثنين المنكوب..
ويبقى الإنسان المنكوب وجراحه لاتبلسمها إلا يد الله والقدر والإنسان متكافلاً مع أخيه..
والجروح الإنسانية النازفة لايبرؤها إلا الإنسان نفسه..
والسليم دوماً في خدمة المفجوع..
هذه هي المجتمع..وهذا مالمسناه ولانزال نلمسه ونعيشه حتى الآن وإلى نتعافى جميعاً من الزلزال وآثاره البشرية والاجتماعية والاقتصادية والصحية النفسية..وغيرها..
رحم الله كلّ شهداء الزلزال على مدى الوطن الكبير..
والشفاء العاجل للجرحى..
ووفق كلّ يد امتدت بالخير..وكلّ قلب فزع للغير….من أبناء شعبنا..
العدد 1133 – 21-2-2023