د. مازن سليم خضور:
في علم النفس هناك ما يعرف بـ”Phenomenon habitual and addictive” أي الظاهرة المألوفة والمسببة للإدمان والتي تكون من أهم نتائجها الإصابة بما يعرف ” Sag sense” أو تبلد الإحساس .. في هذا المقال سيتم الحديث عن مجموعة من الدراسات التي تحدثت عن المشاهد القاسية وتأثيرها على النفس الإنسانية.
الأستاذ المشارك في علم النفس العصبي سايمون جونز يقول إنه “لطالما جذب الموت والدم والعنف الحشود. توافد الرومان القدماء على المذبحة في الكولوسيوم وفي القرون اللاحقة، كانت عمليات الإعدام العلنية بمثابة شباك التذاكر الكبير والآن في وقتنا الحالي يحب أبرز المخرجين مشاهد العنف في الأفلام”.
شاهد أكثر من ( ١٠٠ ) مليون شخص مسلسل لعبة الحبار صاحب المشاهد العنيفة، هو مسلسل إثارة كوري جنوبي، وأصبح لعبة الحبار الأكثر مشاهدة على نتفليكس في العديد من الأسواق الإقليمية خلال الأسابيع الأربعة الأولى من إطلاقه، اجتذب أكثر من ( ١٤٢) مليون أسرة وحشد مايقارب (١,٦٤) مليار ساعة مشاهدة كل هذا يطرح التساؤل الرئيسي حول النظرية المطروحة هل يصاب الشخص بتبلد الإحساس نتيجة كثرة متابعة مشاهد العنف والمأساة والوصول لدرجة الألفة ؟.
مع صعود الأدرينالين وبعض الهرمونات الأخرى المرتبطة بالشعور بالخطر والإثارة يستمتع بعض المشاهدين لأفلام الرعب بهذه المشاعر ويشير بحث جديد مستمد من دراسة لأفلام الرعب، إلى أنه قد يكون هناك ثلاث فئات من الأشخاص الذين يستمتعون بمشاهدة العنف، ولكل منها أسبابه الخاصة.
أُطلق على إحدى المجموعات لقب (مدمنو الأدرينالين) بحسب دراسة نشرت في مجلة (سايركسيف) للعلوم النفسية؛ يريد هؤلاء الباحثون عن المشاعر القوية والاهتياج تجارب جديدة ومكثفة، وهم أكثر عرضة للتفاعل مع مشاهد العنف ويشعر بعضهم بالاستمتاع أثناء معاناة الآخرين بينما تستمتع مجموعة أخرى بمشاهدة العنف لأنهم يشعرون أنهم يتعلمون شيئًا منه، بحسب ما تذكر نفس الدراسة ؛ أما المجموعة الأخيرة فتحصل على الفوائد بحسب الدراسة، حيث أنهم يستمتعون بالأحاسيس الناتجة عن مشاهدة العنف ويشعرون أنهم يتعلمون شيئًا ما!
هناك رأي للطب النفسي وهو ” تغيّر السلوكيات” أي أنه بعد أن كان الجميع يخشى مشاهدة مناظر الموت أصبحوا يقبلون على مشاهدتها وهناك أربعة أسباب للإقبال الكبير على هذه المناظر وهي أولاً: الاعتياد حتى الإدمان، وهو ما أدى مع تكرار المشاهدة وإدمانها إلى إصابة المواطنين بما يعرف ” Sag sense” أو تبلد الإحساس. نتيجة كثرة المشاهدات القاسية .
ثانياً: في زماننا هذا أصيب الجميع بالإحباط واليأس، بسبب تزايد الضغوط الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصاد ويلجأ الإنسان المحبط واليائس للبحث عما يثيره ويخرجه من حالة الإحباط هذه، ومن هذه الطرق هي البحث عن مشاهد العنف والتشويق والإثارة.
ثالثاً: الاندفاع الشديد لدى المتلقي، فهو يحاول استكشاف ما يدور في الفيديو .
رابعاً: يشعر الشخص أنه خارج نطاق المجتمع إذا اكتشف أن الجميع يتناقلون ويروون شيئا ما أو حدثا ما، وهو لم يتابعه أو يعلم ما جرى فيه.
بينما تقول نظرية أخرى أن مشاهدة العنف أمر يشفي الغليل ويستهلك العدوان المفرط عند محبي مشاهدة تلك النوعية من الأفلام وفي دراسة أخرى هناك أسباب لإعادة النظر في مدى الإعجاب حيث عرض الباحثون على مجموعتين من الأشخاص فيلم ( الهارب) وهو فيلم اثارة وتشويق أميركي، ظهر في صالات العرض السينمائية عام (١٩٩٣) حيث عرض على إحدى المجموعات فيلمًا غير محرّر، بينما شاهدت مجموعة أخرى نسخة تم تحريرها وإزالة كل أشكال العنف. على الرغم من ذلك، أعجبت المجموعتان بالفيلم على حد سواء تم دعم هذه النتيجة من خلال دراسات أخرى وجدت أيضًا أن إزالة العنف التصويري من الفيلم لا يقلل من إعجاب الناس به، حتى أن هناك أدلة على أن الناس يستمتعون بنسخ الأفلام الخالية من العنف أكثر من النسخ العنيفة.
وكما نقدت هذه النظرية من خلال التجربة الماضية -فيلم الهارب بدون مشاهد عنيفة- نستطيع القول بأن نظرية تبلد الإحساس نتيجة تكرار مشاهد العنف والمعاناة تم نقدها من خلال ما عشناه من مأساة فمن المستحيل أن الوصول إلى تبلد الإحساس لاسيما في ظل وجود معاناة لطفل.