علاء الدين محمد:
حتى لا تغيب الحالة التي ولدها الزلزال كيف يمكننا الاشتغال على ثقافة مضادة لكل هذا الخراب الروحي والخواء الثقافي؟
كيف يمكن لنا استثمار هذا العمق الإنساني في ثقافة إبداعية؟
أسئلة وجهناها لكل من الكاتبين الأرقم الزعبي وعبير نادر
العودة إلى جينات الخير
يرى الأرقم الزعبي: أن السوري اليوم حفيد ذاك السوري الضارب في جذور الخير وعمق التاريخ الإنساني، هنا سورية التي استقبلت بإنسانية الإنسان، قبل كتابة شرعة حقوق الإنسان – هجرات الشركس والتركمان والأرناؤوط والأرمن .. تقاسمت معهم الخبز والأرض، أصبحوا أخوة للسوريين في الحياة والتراب كما جسدهم الكبير حسن م.يوسف في مسلسله أخوة التراب_ وبالأمس القريب كان للسوري ذات الموقف عندما استقبل أخوة له من فلسطين والعراق ولبنان .. لم يستقبلهم في مخيمات ولا في حاويات بحرية .. كان لهم صدر البيوت، وعطر الوسائد، وطيب الكرم ..
اليوم وتحديداً بعد يوم السادس من شباط ٢٠٢٣ م جاء الوقت ليكون السوري للسوري ستراً وغطاءاً تنادى الشعب السوري من الجنوب إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق، الشعب السوري فعلاً وقولاً واحداً، لا حواجز بين مكوناته .. ضارباً بعرض الحائط أحماض الحرب ومفرزاتها عائداً إلى جينات الخير مثبتاً أن هذا الشعب عندما يستنطق للخير يستجيب ويتعاون ويتشارك، إنها ثقافة الأصالة التي عجزت الحرب وشعاراتها الغريبة عن مجتمعنا أن تغرسها بدلاً من ثقافة الخير واللين التي نشأ عليها السوري… رضعها مارسها في فزعة الجار للجار .. في الوقوف جنباً إلى جنب مع أخوة الوطن في الأفراح والأتراح…
لا غريب… لا غريب أن يندهش العالم بعناد هذا الشعب عنادة خير وفيض حب، لا غريب أن يتزاحم المتبرعون أطفال.. كبار..صبايا.. حتى فقراء الفقراء عبروا عن غناهم في الانتماء و تمسكهم بحبل الحب .. لا قلة ذات اليد ولا الانحسار والحصار الذي عانى منه هذا الشعب منعه من أن يكونوا يداً بيد .. قوافل الخير جابت المحافظات المنكوبة .. محملة بكل كرم وعزم الحليب والقمح.. ودفء الروح للروح فكان العناق ولهفة المحب للمحب.. حالة لا ولن تغيب عن هذا الشعب إنها جزء لا يتجزأ من التراث اللامادي لهذا الشعب ثقافة ترفض الذوبان في ثقافة التضليل والخواء والتفرقة..
ثقافة التعاون رغم أنها متجذرة بحاجة إلى سقاية وعناية واستمرار ومجد وتمجيد .. وتدوين ما حدث بماء الذهب لتعزيز ذاكرة الخير.. ذاكرة محمولة من جيل إلى جيل .. هنا تظهر أكثر ضرورة تدوين فضائل هذا الشعب في قصة تكتب وفي قصيدة تخلد، أو تجسد في مسرحية فصولها لا تنتهي، وفي لوحة ترسم بحبر الورد والحب أو تتشكل مع عناق الكلمة مع اللحن والصوت والموسيقى، تسطر في سمفونية الأسطورة الوطنية الخالدة.. سوريا بلاد لن تموت ستبقى كبد الأرض، وحديث الزمن…
التعاضد الكبير
الشاعرة عبير نادر: ترى أن لكل أمر مهما كان له وجهان وجهة إيجابية ووجهة سلبية ولا يخفى على أحد الوجهة السلبية التي هدمت المنازل فوق رؤوس أصحابها وشردت آلاف العائلات، ولكننا مع ذلك رأينا تعاضد إنساني كبير بين فئات المجتمع المختلفة فنلاحظ كيف هبت المبادرات الإنسانية لمساندة الأسر المشردة وحملات التبرع بالدم والطعام وغيرها فأعتقد أن خير ثقافة ترمم الصدع والخواء الروحي هي ثقافة المحبة والعطاء والإنسانية التي يجب أن نعمل عليها جاهدين وبشكل أكبر لنرمم هذا الصدع الكبير في أرواحنا.
كل إبداع لا ينبع من عمق إنساني لا يمكن أن نسميه إبداع لأنه سيكون هشاً قابلاً للتحطم والزوال مع أول هبة ريح تماماً كالشجرة تضرب جذورها أعماق الأرض لتقاوم العواصف والرياح .. ولابد أن هذا الزلزال الكارثي خلف آلاف القصص والمآسي في نفوس من نجوا من هذا الكابوس المرعب، فمن خلال بعض العائلات المنكوبة اللواتي التقيتهم سمعت الكثير من القصص المؤلمة، والتي لا يمكن حصرها كالبقاء أحياء تحت الركام لأيام وكأنك مدفون تحت الأرض وأنت حي تصرخ وتنادي ولا أحد يسمعك، وأنت تتساءل عن أحبابك ماذا حل بهم، والعائلات التي فقدت كل شيء حتى هوياتها، من هذا الموقف نصرخ دائماً بأن قيمة الإنسان في إنسانيته ومحبته وليس في الماديات الزائلة،
نعم هذا الزلزال جاء صفعة للبعض لتصحو من جديد وأعتقد أننا بعد فترة وجيزة سنجد العديد من الأعمال الأدبية والفنية التي ستتناول هذا الوجع الإنساني العميق.