أديب مخزوم:
تستعيد الفنانة التشكيلية ليلى طه في لوحاتها إيقاعات من جماليات التراث الحضاري، المكتنز بصوره ورموزه وأشكاله، من منطلق المفاهيم الثقافية الجديدة، التي تعطي اللوحة دلالات لا متناهية، من المعاني المرتبطة بموسيقا اللون وإيقاع الخط وأثر الحالة الداخلية، وإلى آخر ما هنالك من تعابير جمالية وتشكيلات وجدانية.
ومنطلق البحث التشكيلي في أعمالها يأخذنا نحو كسر الهندسة بغية الوصول إلى زخرفة لونية متحررة، أقل هندسة وأكثر انعتاقاً من الأطر القاسية، رغم تأكيدها نوعاً من الانسياق (القباب، الأشكال الصامتة، البيوت القديمة، الأحصنة…) وتصل إلى جوهر الشكل الهندسي أو جوهر الزخرفة متخطية بذلك الاستغراق في الصياغة التزيينية والدقة الرياضية.
لإلقاء مزيد من الضوء حول تحولات تجربتها التراثية والحديثة كان معها الحوار التالي:
ما الأثر الذي قد يتركه الزلزال المدمر على لوحاتك وما مدى تفاعلك مع هذا الحدث المدمر والمأساوي ؟
دون شك شعور مخيف وقلق يسيطر على نفسية الفنان، يحد من استمرار إبداعاته وخياله وأفكاره من جهة .. ومن جهة أخرى له تأثير إيجابي، حيث يعمل على تكريس الروح الاجتماعية والإحساس بلمة الأهل والأصدقاء وحب الخير والعمل الجماعي، لأن الفنان مشروع حب وجمال، ولا يستطيع أن يواجه الخراب الذي خلفه الزلزال إلا بالجمال.
كيف كانت لوحات بداياتك، وفي أي عام بدات اللمسة اللونية العفوية والحداثة التشكيلية تجد طريقها إلى أعمالك؟
بدأت في مراحل العمر الأولى، والموهبة تولد مع الإنسان وتتجسد بالدراسة وتتبلور بالاهتمام .. في البداية بدأت أرسم الموروث الشعبي والمظاهر الاجتماعية، ثم انتقلت إلى التجريد الزخرفي ..بتحويل المظاهر والموروث إلى معان ورموز في توظيف الزخارف.
هل زرت بعض البيوت الدمشقية القديمة التي تركت تأثيراً كبيراً على لوحاتك بعمارتها من الداخل وأحواض زهورها ونوافذها المشرعة على الأضواء ؟
نعم ووجدت فيها ضالتي المنشودة وتجلياتي اليومية وبعمارتها الداخلية وطوابقها المتراصة والمتلاصقة والملتحمة التي تتميز بالحميمية .. بعناصرها المعمارية في أحواض الورود والكراسي والسلالم وما تسجله من علاقات مودة وحب وتواصل من خلالها أجمع العواطف بالأمكنة.
تستعيدين أجواء تراثية زخرفية إلى جانب الزهور في لوحاتك ..كيف تنظرين إلى التراث والمعاصرة؟
طبعاً أستعيد رموزاً من المفردات التراثية والموروث الشعبي تحمل الخصوصية والهوية، وتمثل ذاكرة المكان والبيئة المحلية والتي تعكس روح العصر والأصالة وطبعاً أجد في أحواض الورود والزهور وسيلة لزيادة الترابط والعلاقة مع البيت واستنباط المشاعر والمعاني.
هل يمكن أن تصل لوحاتك إلى التجريد الخالص ولاسيما أنك تتجهين تدريجياً نحو الاختصار والاختزال والتبسيط وخاصة في أعمالك الزخرفية التي هي تجريد بحد ذاتها ؟
بالتأكيد لوحاتي تتراوح بين التجريد الزخرفي والتجريد الخالص من خلال استعادة الرموز والمفردات التراثية التي أضمنها معاني الاحتواء والخصوصية والتي تكشف روحانية المكان مثلا (أحواض الزهور) وحشود الكراسي تمثل لمة الأهل.
تتميزين بغزارة إنتاجك: ماذا عن معارضك الفردية وكم عددها .. وماذا عن معارضك القادمة ؟
طبعاً لدي أعمال على مدى ٣٠ عاماً .. قدمت من خلالها ٢٠ معرضاً فردياً وتميزت هذه المعارض بتحولات بتجربتي طوال تلك الفترة، أما عن معارضي القادمة .. لدي أعمال منجزة خلال فترة الأحداث .. في محاولة مني لكسب الوقت .. لدي لوحات تتميز بالانطباعية ولوحات مجزئة كاللوحات الثنائية والثلاثية والرباعية، بهدف الخروج عن نمط اللوحة المألوفة في العرض، وبث روح التجدد فيها.
كلمة أخيرة ؟
الفنان يلون ويرسم ذاته وجعلت من نفسي أصيصاً لأزرع تباشير لفرح قادم وأكثر أمناً وأماناً، ونحن في زمن تحكمه الظروف السيئة، ونأمل بالفرج القادم.