“قرية قرب الجنة”.. قصيدة سينمائية عن الحب والشجاعة

الثورة – أحمد صلال – باريس:

على الرغم من طول مدته غير الضروري في بعض الأحيان، إلا أن فيلم “قرية قرب الجنة” يتمتع بميزة مزدوجة تتمثل في الترويج للسينما الصومالية النادرة على شاشاتنا وإثبات مرة أخرى أن جنة الحرية في أيدي النساء.

يُعد فيلم “قرية قرب الجنة” أول فيلم صومالي يُعرض ضمن الاختيار الرسمي لمهرجان كان السينمائي الشهير، كما أنه أول فيلم طويل للمخرج مو هاراوي، منذ إصداره في مايو، حظي الفيلم برحلة مميزة، حصد خلالها خمس جوائز وعُرض في مختلف أنحاء العالم.

قرية صغيرة في صحراء الصومال الحارقة والعاصفة.. يعمل مامارجاد، الأب الأعزب، في وظائف متفرقة ليوفر لابنه سيغال حياة أفضل، بعد طلاقها، تعود أخته أراويللو للعيش معهم، ورغم تقلبات الأوضاع في بلدٍ تجتاحه الحرب الأهلية والكوارث الطبيعية، فإن الحب والثقة والصمود ستمكنهم من التحكم في مصيرهم.

إنه طفل صغير ذكي يحلم كل ليلة بأن الجنة التي تنتظره تشبه متجر حلويات حيث يمكنك أن تتلذذ بما تشاء من الحلوى.

ولا بد من القول: إن قرية الجنة تبدو أشبه بالجحيم مع هذه الطائرات المسيرة التي تحلق في السماء باستمرار، مستعدة لإسقاط أي مركبة يحتمل أن يقودها أحد مؤيدي القاعدة، وهذا أمر جيد لأن مامارجاد، والد الطفل، لديه مجموعة من المهام الصغيرة، بما في ذلك دفن الموتى في الصحراء.

فيلم “قرية قرب الجنة” هو أول فيلم للمخرج الصومالي مو هاراوي، الذي يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عاماً، ويسعى جاهداً لوضع بلاده في منظورها الصحيح، فهي بوتقة تنصهر فيها كل أفراح العائلة الصغيرة، وأرض تُضحى بها للمخاطر الجيوسياسية.

ومع ذلك، فإن فيلم “قرية قرب الجنة” ليس فيلماً سياسياً بالمعنى الحرفي للكلمة، إن وضع البلاد تحت الضغط الأميركي والأضرار البيئية الجسيمة يُمثل فرصة لسرد العلاقة الجميلة بين هذا الأب، والصبي التائه والذكي، وخالته التي تعيش في المنزل وتحلم بفتح محل خياطة، في الواقع، هذه المرأة هي التي تدير المنزل، لقد انفصلت مؤخراً عن زوجها الذي، كما نفهم من التلميحات، يرفض الوفاء بواجباته الزوجية، فتبيع المخدرات أملاً في جمع ما يكفي من المال لفتح محلها، تمتد الصحراء في كل مكان، تحرم السكان من وسائل الراحة المعتادة في المدينة، وهو ما لا يمنع العائلات من العثور على قسط من السعادة هناك.

تصوير مو هاراوي لهذا الأب وابنه جميل، الرجل مستعد لفعل أي شيء ليمنح طفله فرصة الحصول على المعرفة، خاصةً أن المدرسة قد أغلقت أبوابها مؤخراً بسبب نقص التبرعات الكافية.

يُذكّرنا المخرج بقوة بأن حصول الأطفال على التعليم حول العالم ليس أمراً مفروغاً منه في العديد من البلدان، يرفض المخرج التطرق مباشرةً إلى الفقر وسوء الأحوال الصحية التي تُعاني منها الصومال، مُظهراً دواخل منازل هشة للغاية، لكنها كافية لتأسيس حياة أسرية طبيعية.

في عدة مناسبات، يُصوّر المخرج الطفل عائداً من المدرسة، يُغني أثناء غسله، كسائر الأطفال حول العالم.

إن رفض المخرج الصريح للتعاطف والبؤس تجاه الصومال يُظهر رغبته في إثبات قدرة أفريقيا على تحرير نفسها دون اللجوء إلى الوصاية الغربية.

تبدو النساء، من خلال هذا الفيلم يبذلن الشجاعة والعزيمة، خير حصن ضد التدخل والهيمنة.

وللمرة الأولى، لا يُطرح النقاش حول الدين، تبقى مسألة الفيلم الروائي الطويل هي قدرة بلد مثل الصومال على إيجاد مصادره الخاصة للابتكار والتنمية الاقتصادية، وإن إنتاج فيلم هو في حد ذاته دليل على كفاءة بلد أفريقي، وناقل للإبداع الفني الديناميكي والمعترف به.

يُظهر الفيلم براعةً مُذهلة في التصوير والإضاءة والمونتاج.

صُوّر الفيلم الروائي الطويل بأكمله في بيئات طبيعية بدقةٍ وتقنيةٍ فائقة.

يُخرج مو هاراوي فيلماً جديراً بهذا الاسم، لا يُضاهي الإنتاجات الغربية؛ لكنه بارع، كما يُبدع الممثلون في أداء أدوارهم، عيبه الوحيد هو طوله، يُغرق السيناريو في سرديات فرعية مُتعددة لا يُطورها بشكلٍ كامل، بينما تُشكل العلاقة بين الشخصيات الرئيسية الثلاثة بحد ذاتها عنصراً سردياً أكثر من كافٍ.

يبقى فيلم “قرية قرب الجنة” فيلماً روائياً رفيع المستوى.

لم يبقَ إلا انتظار الفيلم الثاني، الذي سيُؤكّد بزوغ سينما أفريقية جديدة، مفعمة بالأمل، وشاهداً حياً على الصمود المستمر لأكبر قارة في العالم.

آخر الأخبار
الرئيس الشرع إلى البرازيل.. فهم عميق للعبة التوازنات والتحالفات      هل يشهد سوق دمشق للأوراق المالية تحولاً جذرياً؟  لحظة تاريخية لإعادة بناء الوطن  وزير الاقتصاد يبحث مع نظيره العماني تعزيز التعاون المستشار الألماني يدعو لإعادة اللاجئين السوريين.. تحول في الخطاب أم مناورة انتخابية؟ صناعة النسيج تواجه الانكماش.. ارتفاع التكاليف والمصري منافس على الأرض القهوة وراء كل خبر.. لماذا يعتمد الصحفيون على الكافيين؟ إعادة التغذية الكهربائية لمحطة باب النيرب بحلب منظمة "يداً بيد" تدعم مستشفى إزرع بمستلزمات طبية إعادة الإعمار والرقابة وجهان لضرورة واحدة حملة لإزالة الإشغالات في أسواق الحميدية ومدحت باشا والبزورية محافظ درعا يبحث مع السفير الإيطالي الاحتياجات الخدمية والتنموية من الدمار إلى الإعمار... القابون يستعيد نبضه بالشراكة والحوار الموارد البشرية المؤهلة … مفتاح التغيير المؤسسي وإعادة البناء بدء مشروع تخطيط طريق حلب – غازي عنتاب كيف فرضت "البالة" نفسها على جيوب الحلبيين؟ سوريا تؤكد أمام اليونسكو التزامها بالتحديث التربوي الأمم المتحدة: بدء مرحلة ميدانية جديدة في سوريا للبحث عن المفقودين بعد سقوط النظام انتهاكات إسرائيلية ضد المدنيين وعمليات توغل هستيرية الشهر المنصرم صدام الحمود: زيارة الشرع لواشنطن تعيد سوريا إلى واجهة الاهتمام الدولي