الثورة- منهل إبراهيم:
تسعى الإدارة السورية الجديدة في سياستها إلى تصفير المشكلات مع دول الجوار والعالم، وتجاوز الخلافات وتطوير العلاقات من خلال إبرام شراكات اقتصادية وسياسية واسعة، تتجاوز من خلالها المرحلة السابقة من عزلة سوريا الدولية.
وتشهد دمشق منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي حراكا دبلوماسيا مكثفا، وذلك في إطار تأسيس علاقات خارجية قائمة على التعاون والتحالف وتجاوز إرث النظام السابق، ويتجلى هذا الحراك في استقبال عشرات الوفود الإقليمية والدولية، في مشهد عكس ترحيبا من المجتمع الدولي بالتحول التاريخي الذي شهدته سوريا.
ولعبت رسائل الطمأنة الواضحة التي بعث بها السيد الرئيس أحمد الشرع إلى دول الجوار دورا مهما في رسم دبلوماسية سوريا جديدة تقوم على الحوار واستعادة الثقة مع الشركاء الإقليميين والدوليين، بعيدا عن التجاذبات والاصطفافات الإقليمية، والفوضى والتوترات.
وترجم التوجه السوري للبناء والإعمار والانفتاح، الجهود القوية والمثابرة للدبلوماسية السورية ممثلة بوزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، عبر المشاركات الرسمية في المنتديات والاجتماعات الدولية- منها تحضرها سوريا لأول مرة- وكان آخرها اجتماع الاتحاد من أجل المتوسط في بروكسل، وفيها قال الوزير الشيباني بشكل واضح إن سوريا تتطلع إلى بناء شراكات استراتيجية مع الدول الأوروبية.
وفي سياق هذه الجهود، تمضي سوريا الجديدة نحو تغيير مسارها السياسي الخارجي وتجنب المشاكل الإقليمية والدولية، والإرث السياسي الذي تركه النظام المخلوع، مع وجود تحديات داخلية وخارجية لن تقف حجر عثرة أمام هذا التحول السوري الجديد، ومنها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السيادة السورية.
وتلفت صحيفة “ذا كونفرسيشن” البريطانية إلى أن “تقسيم سوريا إلى طوائف وعرقيات، هي طريق لاحتفاظ إسرائيل بالهيمنة في المنطقة، من وجهة نظر عدد من صانعي السياسة في إسرائيل”.
وتؤكد الصحيفة البريطانية أن الحكومة السورية تدفع صوب توحيد البلاد ومنع أي محاولة للتقسيم، وهذا ما يجعل إسرائيل تحافظ على التوترات والصدام في المنطقة. ويرى كثير من المراقبين أن سياسة النظام المخلوع أضعفت موقع سوريا الدبلوماسي، وأفقدتها القدرة على المناورة وبناء علاقات إقليمية ودولية، تتناسب مع موقع سوريا الجيوسياسي.ومن هذا الواقع ولردم هوة المرحلة السابقة تسعى قيادة سوريا الجديدة من خلال سياستها إلى بناء تحالفات مبنية على احترام سيادة الدول والقانون الدولي وحقوق الإنسان، والتوجه نحو التركيز على “التنمية المستدامة” من خلال نسج علاقة متوازنة مع عمقها الإقليمي الصحيح، وتعمل أيضا على استعادة الثقة دبلوماسيا مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، وغيرها من دول تساند وتدعم التعافي والاستقرار في سوريا.
وفي تصريحات صحفية لخصت نهج السياسة الخارجية الجديدة، قال الرئيس الشرع: “إن الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر، ولن تكون سوريا منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية، ونسعى إلى بناء علاقات إستراتيجية فاعلة مع هذه الدول”.
وتدرك الإدارة السورية الجديدة أن نجاح سوريا لا يعتمد فقط على الدبلوماسية الخارجية، بل بالدرجة الأولى يعتمد على إرساء الاستقرار الداخلي وترسيخ السلم الأهلي، ومشاركة مكونات المجتمع السوري في عملية الانتقال السياسي نحو مستقبل أفضل لجميع السوريين.
فأمام وجود تحديات كبيرة أفرزتها 14 سنة من الحرب المدمرة، داخلياً على جميع المستويات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وجهود الحكومة لتجاوز هذه التحديات، لبناء دولة قوية ومتينة، بمؤسسات وطنية تضم جميع السوريين، تبرز معها التحديات الخارجية، والمتمثلة بمشاريع الاحتلال الإسرائيلي التي تقف عائقا أمام كل جهود توحيد البلاد وتحقيق الاستقرار، مستغلاً الفوضى في المنطقة من أجل فرض قواعد اشتباك جديدة وقضم مزيد من الأراضي السورية، محاولاً التدخل بالشؤون الداخلية السورية وضرب النسيج الوطني، من خلال الاعتداءات المباشرة على السيادة السورية، الأمر الذي يجعل سوريا تعمل بكل الوسائل السياسية والقانونية من أجل ردع الاحتلال، وحفظ وحدة وسلامة أراضيها.