اهتزت الأرض تحت أرجلنا، وفقدنا وعينا غير مدركين ما الذي حدث…؟ ثوان قليلة مرت كأنها دهر، أعمدة رهيبة من الدخان، والنار، واللهب، تتصاعد وسط ساحة الأمويين الشامخة أبداً.
بدا الأمر كأننا في فيلم رعب، ساحة الأمويين الأنيقة، تلتف حولها الورود، الساحة الرئيسية وسط دمشق، لا أعتقد أن أحداً من سكان دمشق إلا ومر من وسطها ليستمع إلى هدر نوافيرها الهادئ المحمل بمهابة لا توصف.
لكنها بالأمس بالذات تكللت بالرماد، وبدت كأنها تنفض عن كاهلها عبء السنن، غير آبهة لكل تلك الضربات المتتالية التي طالت أبناءها وأبنيتها، ليست مجرد حالة أثارت فينا آلاماً رهيبة، بل مشهد لا ينسى ستحتفظ به ذاكراتنا كل العمر.
كأن التصوير أصبح إلى البطيء، الزمن توقف، الأبنية التي تحيط بالساحة، المكتبة الوطنية، فندق الشيراتون، مبنى الإذاعة والتلفزيون، دار الأوبرا، والمعهد العالي للفنون المسرحية.. جميعها بدت مغطاة بغيوم صماء، عقيمة لا تفضي بنا إلى أي مكان، مهما ركضنا كأننا في كابوس عاجزين فيه عن الصراخ، عن الفعل، نتطلع مذهولين لا نصدق كيف أفضى بنا الحال إلى هنا، وقت سوف ينقضي وسننفض كل هذا الرماد لننطلق من جديد.
دمشق عاصمتنا الأبدية لطالما ضمتنا معاً، ضمدت جراحنا، عبرنا معها فوق خساراتنا وخيباتنا، ما إن تدور في حواريها ودروبها القديمة الضيقة، كأنك ركبت آلة الزمن وعدت إلى الوراء آلاف السنوات، دمشق مدينة الحضارة الخالدة عصية على الانكسار، لن يغمرها يوماً وهم الركام.