الثورة – سمر حمامة:
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مجتمعاتنا اليوم، بات عمل المرأة ضرورة لا يمكن إغفالها، سواء على الصعيد المادي أم على صعيد تحقيق الذات، لم يعد خروج المرأة إلى سوق العمل خياراً ترفيهياً أو مجرد رغبة عابرة، بل أصبح خطوة صحيحة نحو الاكتفاء الذاتي والمشاركة في مواجهة الأعباء الحياتية المتزايدة، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار وضعف الدخل، وتغير تركيبة الأسرة ودور المرأة داخلها.
رغم هذا الواقع، لا تزال الآراء متباينة بين مؤيد لعمل المرأة ومعارض له.
يرى البعض أن على المرأة التركيز على بيتها وتربية أطفالها، معتبرين أن العمل يرهقها جسدياً ونفسياً، ويؤثر سلباً على تماسك الأسرة، فيما يرى آخرون أن عمل المرأة لا يتناقض مع دورها الأسري، بل هو امتداد له، وأن مشاركتها الاقتصادية تضيف استقراراً ودعماً للبيت، وتمنحها استقلالاً شخصياً ومعنوياً.
“الثورة” التقت بعدّة نساء عاملات، تحدثن عن تجاربهن بين التحديات والنجاحات، مجمعات على أن الإيجابيات تطغى على السلبيات.
تقول “سارة” وهي معلمة في مدرسة حكومية: “بدأت العمل مباشرة بعد تخرجي، كنت متحمسة جداً لخوض هذه التجربة، أردت أن أكون نموذجاً ناجحاً لابنتي، وأن أساهم في مصروف البيت، صحيح أن التوفيق بين البيت والعمل مرهق، لكنني تعلمت مع الوقت كيف أوازن بين الجانبين، ووجود زوج داعم هو أكبر حافز لي، لقد ساعدني عملي على الشعور بالقيمة، وأصبح لي دور حقيقي في بناء المستقبل لعائلتي”.
أما هبة، وهي موظفة في شركة خاصة، فتوضح أن العمل منحها الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرار، وقالت: “في البداية عملت لأسباب مادية، لكن مع الوقت أدركت أنني وجدت ذاتي في هذا العمل، أشعر أنني إنسانة منتجة، لي كيان مستقل، وأسهم في تحسين مستوى معيشتنا، ربما لا يكون الدخل كبيراً، لكنّه يغنينا عن طلب المساعدة، هذا وحده كافٍ ليجعلني أتمسك بعملي مهما كانت الصعوبات”.
وتشير رنا، وهي فنية مخبر، إلى أن العمل ساعدها على تحقيق حلمها: “كنت منذ صغري أحب مجال التحاليل الطبية، وتعبت حتى وصلت إلى هذه المهنة، عملي ليس فقط مصدر رزق، بل هو شغف، لا يمكنني تخيّل حياتي دونه، حتى عندما تزوجت، وضعت شرط الاستمرار بالعمل، وكان زوجي متفهماً، أشعر أنني أمارس دوراً نافعاً في المجتمع، وهذا يمنحني سعادة لا توصف”.
إلا أن بعض التجارب لم تكن بنفس السلاسة، كما تروي “لينا”، التي تقول بأسى: “تزوجت شاباً كان يرفض عملي منذ البداية، وطلب مني الجلوس في المنزل وتربية الأولاد، فوافقت على مضض، مع الوقت، بدأت أشعر بالعزلة والضيق النفسي، خصوصاً أنني كنت أحب عملي وأشعر بالإنجاز فيه.بعد سنوات من المشكلات، حدث الطلاق، وعدت إلى بيت أهلي مع أولادي، أصبحت أتلقى مصروفي منهم، وكم هو محرج أن أطلب المال في كل مرة! أشعر بندم كبير لأنني تركت العمل يوماً، ولو عاد بي الزمن لما تخلّيت عنه”.
العمل حاجة ضرورية
من جهتها ترى المرشدة الاجتماعية ابتسام الأحمد، أن دخول المرأة إلى سوق العمل أصبح حاجة ضرورية وليس خياراً، المرأة اليوم متعلمة، تمتلك مهارات، وتستحق أن تأخذ دورها في التنمية.. العمل لا يُضعف الأسرة، بل يساهم في تعزيز استقرارها إذا كانت هناك شراكة حقيقية وتفاهم بين الزوجين.
ومن الظلم أن يُطلب من المرأة الدراسة سنوات طويلة، ثم تُمنع من العمل بذريعة التقاليد أو الغيرة أو غيرها من المبررات، فالتحدي الحقيقي هو إيجاد التوازن لا أكثر”.
وتضيف: “نحن بحاجة إلى تغيير نظرتنا التقليدية لدور المرأة، وأن نتقبل أن لها الحق في الطموح وتحقيق الإنجاز، تماماً كما للرجل، بل إن مشاركة المرأة في ميادين العمل تفتح أمام الأسرة أبواباً أوسع من الرفاهية والاستقرار، وتقلل من الأعباء على الرجل وحده”.
في الختام.. يظهر جلياً أن عمل المرأة في ظل الأوضاع الراهنة لا يمكن اختزاله فقط بالحاجة المادية، ولا يمكن أن يُمنع بذريعة الحفاظ على البيت.بل إن المرأة القادرة على العطاء والعمل تملك قوة مضاعفة، تنعكس على بيتها وأسرتها ومجتمعها، ولا شك أن لكل حالة خصوصيتها، ولكن ما هو أكيد أن منع المرأة من العمل قد يؤدي إلى نتائج نفسية واجتماعية مؤلمة، بينما تمكينها من العمل يجعلها أقوى وأكثر توازناً.إنّ دعم المرأة العاملة وتقدير دورها، ليس فقط إنصافاً لها، بل هو استثمار حقيقي في مستقبل الأسرة والمجتمع ككل.