الثورة – رنا بدري سلوم:
ثلاث ساعات يومياً كافية أن يتمتع الطفل بأدواته، وينسج عالمه الخاص، يرسم يلون ينحت، يكتب يقرأ ويغني، وكل هذا في نادٍ صيفي تحت مظلة ثقافية، يشرف عليها متخصصون في مبنى ثقافي أشرفية صحنايا، الملون والمحبب لقلوب أطفال، لفتت انتباههم مكتبة عرض الحائط مليئة بالكتب، وقصص الأطفال، ومقاعد دراسية خصصت لأحجامهم الصغيرة.
الثقافة مبادرة خلاقة
بعد أن أعلنت سوريا حريتها من كل القيود، تأسس الفريق الثقافي السوري، الذي يجمع نخبة من مثقفي أشرفية صحنايا، الذين عملوا جاهدين بتقديم الدعم التعليمي والثقافي، فبدأ بالدورات المجانية لطلاب التاسع والبكالوريا بفرعيه العلمي والأدبي، ولا يزال إلى اليوم يستقبل طلاباً لتقويتهم دراسياً، وبالأمس القريب فتح أبواب ناديه الصيفي لاستقبال الأطفال من عمر ست سنوات إلى الأربعة عشر عاماً.
صحيفة الثورة تجولت في النادي الثقافي والتقت القائمين عليه، ورافقت الأطفال في يوم النشاط إلى المرسم الفني لرئيس قسم النحت في المعهد التقاني للفنون التطبيقية الفنان وضاح سلامة، الذي اقترح تأسيس الفريق الثقافي لتكون الثقافة بمتناول الجميع، وخاصة الأطفال المتسربين من المدرسة، والعائلات المستورة والتي أوضاعها بائسة اقتصادياً، ولا تستطيع أن تعلم طفلها أو تؤسسه فنياً وثقافياً.
ولفت سلامة إلى أن الفريق الثقافي يكبر يوماً بعد يوم حتى ضم نحو ستين متطوعاً لتقديم كل ما يلزم الطفل وبمختلف التخصصات، ومن جهته خصص سلامة كفنان يوم الأربعاء لتعليم الأطفال الرسم والنحت مجاناً، لإظهار الموهبة والتعلق بها وممارستها- وإن كان يوماً في الأسبوع، مؤكداً أن الفن حق طبيعي ومشروط في ظل ظروف صعبة على كل الصعد، وهنا لابد من فتح نافذة للأطفال تعيد لهم توازنهم النفسي ومحبتهم للحياة وأملهم وأحلامهم التي تكبر بها، لذا سنحارب الموت باللون ونخلق من الفن طوق نجاة يعيد لنا إنسانيتنا ورقينا.
طريقٌ إلى الجمال
تقول أم محمد نشواني، في البداية أردت إيصال طفليّ ككل يوم إلى النادي الثقافي، لكن عندما عرفت أنه يوم النشاط قررت من دون تردد قضاء ساعات معهم لتشكيل الصلاصل في المرسم الذي يخيم عليه جمال الألوان والتحف الفنية التي أدهشت الأطفال، إنها مبادرة جميلة من أعضاء الفريق الثقافي الذين يطورون مهارات الأطفال وتجعلهم حالمين بطريقتهم الخاصة.
تطوع حسن محجوب رفاعة وهو طالب سنة أولى هندسة ولاعب كرة سلة، مشرفاً على أحد صفوف النادي الصيفي، ولفت إلى أنه يحب العمل التطوعي لما يضيف له الكثير، وقد تربى على حب الخير والعطاء ما دفعه لأن يقدم ما بوسعه للأطفال وكل ما يحتاجونه من مساعدة وقد انضم للفريق الثقافي وهم نخبة من المثقفين والفنانين، قائلاً بابتسامة”: وأنا على ما أعتقد أصغرهم عمراً، وهو ما يمنحني التحفيز والاستمرارية من تقديم الأفضل ومن كل قلبي”.
مايا الحلبي- طالبة إدارة أعمال سنة رابعة، خضعت لدورات رياض الأطفال والتعامل مع سلوكيات الطفل، ما جعلها مقربة إلى قلوب الأطفال وإقناعهم وتعليمهم، وهذه السنة الخامسة التي تتطوع بها لتعليم الأطفال ومتابعتهم مجاناً في العديد من الأنشطة الترفيهية والتعليمية، تؤكد في حديثها معنا أنها تحب أن تقدم كل ما يرفع القيم الإنسانية والأخلاقية، وهي رسالتنا الجوهرية في الحياة.

محتوى تعليمي مدروس
الكاتب سامر رفاعة- أحد مؤسسي الفريق الثقافي، بين أن المحتوى المقدم في النادي الثقافي الصيفي للأطفال يعتمد على “المنتسوري” التعلم عن طريق اللعب، ويضم القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى الرسم والغناء والعزف والأشغال اليدوية وغيرها، وقد تم تقسيم الأطفال إلى مرحلتين بحسب مستوى أعمارهم، وخصص الفريق يوم نشاط أسبوعي برفقة الأطفال إلى المنتزه أو المسبح أو مدينة الألعاب أو نادي كرة القدم وغيرها من الأنشطة المحببة للطفل.

للتطوع وقت ثمين
الدكتور غسان أبو سعدة- أستاذ مادتي الرسم الحر وأسس العمارة بكلية الفنون الجميلة في الجامعة العربية الدولية، وأحد مؤسسي الفريق الثقافي، بين أنّ الأيادي البيضاء لا تقدم الخدمات وحسب، بل تقدم الثقافة أيضاً، وهو أمر يجب تعزيزه في مجتمع خرج للتو من ويلات الحرب، وقد خصص ثلاثة أيام من وقته ليعلم الأطفال أن يمارسوا هواياتهم المفضلة ويمتلكوا أدواتهم هو أقل ما يمكن تقديمه.
وعن فعالية تشكيل الصلصال التطوعية، والتي كان مشرفاً عليها مع الفنان وضاح سلامة في مرسمه، يقول أبو سعدة: أجمل ما في الأمر رسم الابتسامة على وجوه الأطفال المشاركين وتعليمهم الصبر والثقة بالنفس، وأن يشكلوا أنفسهم وعائلاتهم كما يرونها، ونكون سعداء حين ينطلق الطفل من الموهبة إلى الاختصاص ليصبح الطالب زميلاً في الجامعة، وكأننا ساهمنا بطريقة ما أن نضع العجلة على السكة الصحيحة.
خاتماً بالقول سوريا تنتظر أبناءها الفنانين والمبدعين، والذين يعيدون تشكيل خارطة سوريا الملونة، لا حرب فيها، ولا دمار.. بل تنعم بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة والسلام.
دعم حكومي ومجتمعي
“التعليم والثقافة وجهان لعملة واحدة، ولا نستطيع تأسيس جيل واعٍ إلا إذا أتم المرحلة التعليمية المتقدمة، وإن هدفنا تعزيز العمل الثقافي”، وفقاً لما تحدثت به رئيس المركز الثقافي لما سلامة، موضحة أن مدير ثقافة ريف دمشق الأستاذ محمد ارحابي زار مؤخراً ثقافي الأشرفية، والتقى بكادرها العامل واستمع إلى ملاحظاتهم ومقترحاتهم المتعلقة بتطوير العمل الثقافي وتحسين الأداء، كما اطلع على سير الأنشطة والفعاليات المنفذة، مؤكداً أهمية تعزيز روح العمل الجماعي، وضرورة التشبيك مع المجتمع الأهلي والمؤسسات والجمعيات المحلية والمنظمات الدولية، لضمان وصول النشاط الثقافي إلى مختلف فئات المجتمع، وبما ينسجم مع الخصوصية الاجتماعية والثقافية للمنطقة.
وقالت: إن ما نقوم به من دورات تعليمية وناد صيفي للأطفال بإشراف متخصصين وموجهين، يتم بالإشراف والحرص على الكوادر الثقافية وتمكينها من أداء دورها في نشر الوعي والمعرفة، مشددة على أن الثقافة هي ركيزة أساسية في بناء المجتمع وتعزيز هويته الوطنية، منها تبنى سوريا الحرة ومنها ينطلق أبناؤها نحو مستقبل أفضل.