يقول أحد الحكماء(ليس من الذكاء أن نعيد التجربة نفسها بالظروف نفسها ونتوقع نتائج مختلفة).
حالنا اليوم في معالجة الأزمات لم يتغير، ولذلك تتكرر معاناتنا كل عام، ونعيش الأزمات والاختناقات نفسها مع تفاقمها وتفرع مشاكل جديدة بالقطاعات كافة.
اليوم تتم مناقشة موضوع الحوافز للعاملين بالدولة رغم مضي أقل من عام على إصداره لاستحالة تنفيذه لأنه بُني على معطيات مكتبية بعيدة عن الواقع وتجاهل كل الظروف والحقائق، وهو المشروع الذي كان يجري الحديث عنه لإنصاف العاملين وتحسين دخلهم، وإذ به يحرم من كان يحصل على حوافز ولو كانت بسيطة لأن المشروع انطلق من حالة مثالية منفصلة عن الواقع، فأول شرط لمنح الحوافز أن تكون الجهات تعمل بأكثر من 70 % من طاقتها، وهذا الأمر غير محقق ولا بجهة إنتاجية عامة لأسباب منها نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وتهالك الآلات والعجز عن إجراء الصيانات الدورية والعمرات لهذه المنشآت بسبب العقوبات وعجز التمويل، والسؤال إذا كانت محطة كهرباء أو مصفاة نفط تعمل بأقل من 70 % من طاقتها فمن يُنصف عامليها المتواجدين على الأبراج والمراجل في ظروف صعبة وخطرة جداً؟.
أيضاً موضوع التقيد الوظيفي الذي حدد الشهادات المطلوبة لإدارة الجهات العامة ومديرياتها، والذي يسير بالجهات العامة إلى واقع كارثي هو الآخر بحاجة لإعادة دراسة، فكيف يتم مثلاً تحديد شهادة مهندس مدني وتجارة واقتصاد لمديرية عملها يقوم على أكتاف مهندسي الكهرباء والميكانيك، ويتم حرمانهم هم من الإدارة ؟ فهل سيعمل هؤلاء بحماسة بظل قتل طموحهم في الارتقاء ضمن هذه المديرية ؟ وطبعاً المثال من إحدى مديريات الموارد المائية، أيضاً هل يصح تسمية شخص في شغل إدارة معينة لأن لديه عشرة أبحاث واستبعاد آخر لأن لديه تسعة أبحاث دون معرفة كيف حصل كل منهما على أبحاثه، وهل هذه الأبحاث مسروقة أو ذات جدوى ويُمكن تطبيقها والاستفادة منها؟.
السيد الرئيس بشار الأسد قال: “يجب أن نعمل على ترسيخ المعايير، ولكن إذا كانت المعايير خاطئة نعدلها” هذا القول هو المعيار الفصل في مشروع الإصلاح الإداري المهم، وهو ما يتم العمل به في كثير من الدول لدرجة أنه يُعرف من المدير القادم ورئيس القسم القادم ومدير الهيئة البحثية وعميد الكلية القادم إلى آخر التراتبية الهرمية للوظيفة العامة، ولكن بمعايير صحيحة تخدم السياسة العامة وتحفز العمل على مستوى كل مؤسسة وفق خصوصيتها الفنية التي تختلف بين مؤسسة وأخرى.
خسرنا الكفاءات وفرغت الجهات العامة من الكوادر باعتماد معايير غير واقعية حسب ما أظهره الواقع، فهل نتوقف ونراجع المعايير ونختار التوقيت المناسب لتطبيق المعايير وفق الواقع والظروف؟.