الثورة- ترجمة ميساء وسوف:
تعد مشاركة جنوب إفريقيا في التدريبات العسكرية مع روسيا والصين مؤشراً على أن الجنوب العالمي لا يتلقى أوامر من واشنطن، ففي عرض رائع للاستقلال تحدت جنوب إفريقيا الناتو في 24 شباط عندما أجرت مناورات بحرية مع روسيا والصين في الذكرى الأولى للأزمة الأوكرانية.
قال أوبي مابينا، وهو من قدامى المحاربين في الجناح المسلح لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي لشبكة CNN الأميركية: نحن إلى جانب روسيا، وبالنسبة لنا أوكرانيا هي ما نسميه البيع الكامل للغرب.
ومضى مابينا يقول: إن موقف جنوب إفريقيا متجذر في النضال ضد الفصل العنصري، موضحاً أنه عندما ثار شعب جنوب إفريقيا ضد نظام المستوطنين الأقلية البيضاء، كان الاتحاد السوفييتي آنذاك مستعداً لمنحنا كل ما نحتاجه، فقد قدموا لنا الطعام، وزودونا بالزي الرسمي، ودربونا، وللمرة الأولى صادفنا أشخاصاً بيض عاملونا على قدم المساواة.
صنفت جنوب إفريقيا نفسها كواحدة من دول عدم الانحياز، ومع ذلك، اتهمها المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو، بأنها أصبحت حليفاً لروسيا، وقال: إن البلاد تبتعد أكثر عن موقف عدم الانحياز، إنها تهمة تنكرها جنوب إفريقيا بشدة، ولا تكون منطقية إلا إذا افترض المرء أن عدم الانحياز يعني عدم المبالاة وعدم المشاركة حتى لأغراض البقاء والاستقلال وتقرير المصير.
خلال الحرب الباردة الأمريكية – السوفييتية، سعت القوى العظمى بقوة إلى إنشاء مناطق نفوذ بهدف نهائي هو تأمين الهيمنة الجيوسياسية العالمية على الدول الأخرى، ونظراً لأن العديد من البلدان الأصغر كانت غير مستعدة للجلوس مكتوفة الأيدي والسماح لأنفسها بأن تكون بيادق لا حول لها ولا قوة، اجتمع ممثلو 29 دولة أفريقية وآسيوية في باندونغ بإندونيسيا في عام 1955 للنظر في آفاق تقرير المصير الحقيقي في مواجهة الاستعمار الجديد والسيطرة الإمبريالية.
أسفر الاجتماع عن إعلان من 10 نقاط، هي: حقوق الإنسان، والاستقلال، واحترام السيادة، والمساواة بين البشر، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، وإنهاء أعمال العدوان أو التهديدات بالعدوان من قبل الدول الكبرى، بينما أقر المشاركون في المؤتمر ضمنياً بقيمة البقاء مستقلين عن القوى العظمى، في السنوات التي تلت ذلك لم يترددوا في التعاون الاستراتيجي مع قوة عظمى واحدة عندما يكون ذلك في مصلحتهم.
في أعقاب تجمع باندونغ، اجتمع ممثلو 25 دولة في عام 1961 لتأسيس حركة عدم الانحياز، وكانت الحركة قوة نشطة منذ ذلك الوقت بدرجات متفاوتة من القوة والتأثير، ولم يكن اسم الحركة مؤشراً على الالتزام بالانعزالية السلبية، بل بالأحرى تصميم على إظهار مطالب باندونغ لتقرير المصير .
أي أن مبدأ عدم الانحياز لا يتعلق بالابتعاد والدبلوماسية الوادعة بل إنه يتعلق بالمشاركة والدبلوماسية القوية، وبالتالي، فإنه لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع عدم الانحياز أن تتعامل جنوب إفريقيا عسكرياً مع روسيا والصين إذا اعتقدت جنوب إفريقيا أن ذلك يخدم مصالحها الاستراتيجية.
ليس من المستغرب أنه بغض النظر عما إذا كانت حركة عدم الانحياز قد أدت إلى تعطيل المشاريع الإمبريالية، فإن الإمبريالية مع ذلك تدرك فاعلية هذه الفكرة.
في عام 2001، اقترح ريتشارد هولبروك سفير الولايات المتحدة آنذاك لدى الأمم المتحدة، أن الدول الأفريقية تنظر في النأي بنفسها عن حركة عدم الانحياز حتى تتمكن من حماية المصالح الأفريقية وعدم السماح بدفع أكثر من 10 دول متطرفة في مواقف لا تحتاجها .
الإمبريالية لديها كل الأسباب للخوف من عدم الانحياز، إذ يقود الفكر المستقل إلى أفعال تسرع تقدم المظلومين بينما تدمر أسس الهيمنة الإمبريالية، إنه يمنح القوة والثقة للتفكير والقيام بما لا يمكن تصوره.
لا يسعنا إلا تخمين الموقف الذي فاجأ العديد من الإمبرياليين، عندما علموا أن الاتحاد الأفريقي قد وقف مؤخراً ضد الصهيونية ليس فقط من خلال تعليق وضع” إسرائيل” كمراقب، ولكن أيضاً بطرد سفير ذلك البلد من القمة السنوية للاتحاد الأفريقي في إثيوبيا.
لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بتجاهل الواقع الاستعماري الجديد المستمر لأفريقيا، لكن من المهم أيضاً أنه حتى عندما تظل القارة مقيدة بالإمبريالية، فإنها تظهر مع ذلك ومضات من الاستقلال الراديكالي، إنه تذكير بالإمكانات الثورية لأفريقيا واليقين بانتصارها النهائي.
المصدر- غرينفيل بوست