الثّورة – ترجمة رشا غانم:
تُعتبر زيارة الدولة التي يقوم بها الرئيس شي جين بينغ إلى روسيا من الاثنين إلى الأربعاء هي أول رحلة خارجية له بعد إعادة انتخابه رئيساً للصين في وقت سابق من هذا الشهر.
هذا ولفتت الزيارة الانتباه الدولي لأنها تأتي بعد الذكرى الأولى للصراع الروسي الأوكراني مباشرة، ويتوقع الكثيرون أن يعزز شي محادثات السلام بين موسكو وكييف، كما أنّه من المتوقع أن يؤدي الاجتماع بين رئيسي الدولتين إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وروسيا للتنسيق في العصر الجديد.
يزور القادة الصينيون والروس دول بعضهما البعض على فترات منتظمة، فمنذ عام 2013، عقد شي وبوتين 40 اجتماعاً وناقشا العديد من القضايا الثنائية والدولية بما في ذلك كيفية تعزيز العلاقات الثنائية، وحماية الأمن الإقليمي بشكل أفضل، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، وتحسين الحوكمة العالمية، وتسهيل التنمية العالمية، والمساعدة في بناء مجتمع بمستقبل مشترك للبشرية.
كما عززت روسيا والصين الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وعلاقات حسن الجوار والود، مما خلق نمطاً جديداً للعلاقات الدولية، والعلاقات بين الصين وروسيا، نمط يكسب فيه الجميع ويتضمن سمات مثل التنسيق الاستراتيجي الشامل، والتعاون الوثيق ولكن مع سياسات مستقلة، وحماية المصالح الوطنية لكل منهما دون استهداف بعضهما البعض، والتعامل مع القضايا العالمية، وتسوية المنازعات عن طريق التشاور.
والسّؤال هنا لماذا تعززت العلاقات بين الصين وروسيا على الرغم من الاضطرابات العالمية المتزايدة ؟ تكمن الإجابة في حقيقة أنه على الرغم من كونهما بلدين رئيسيين، فإن الصين وروسيا تتعاونان للمساعدة في استقرار الوضع العالمي ووضعتا سياسات محلية وخارجية وفقاً لمصالح ومطالب بلدهما وشعبيهما دون استهداف أي طرف ثالث.
لقد كانت التجارة والاقتصاد أساس العلاقات الثنائية، فعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التجارة الثنائية في عام 2022 بنسبة 34.3 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 1.28 تريليون يوان (185.41 مليار دولار)، في حين زادت صادرات الصين من المنتجات الميكانيكية والكهربائية إلى روسيا بنسبة 9 في المائة، كما ارتفعت نسبة السيارات والمكونات والأجزاء لتصل إلى 54 في المائة، وبلغت تجارة الطاقة 33.78 مليار دولار في الشهرين الأولين من عام 2023، لتصل الزيادة إلى 36.4 في المائة على أساس سنوي.
إلى جانب ذلك، أدت التبادلات الشعبية بين الجانبين إلى إثراء العلاقات الثنائية، وذلك بفضل العديد من سنوات التبادل بين الصين وروسيا مع مواضيع مثل اللغة والسياحة والشباب ووسائل الإعلام، وعلى سبيل المثال، حقق التبادل الصيني الروسي لعامي 2022-2023 الذي يحمل الطابع الرياضي نجاحاً كبيراً، فلا عجب أن يتوقع الكثيرون زيارة شي المستمرة لروسيا لتعزيز التعاون المربح بين الصين وروسيا وتعزيز التكامل بين مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي الروسي.
صحيح أن البلدين تعهدا بالالتزام بعدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم استهداف أي بلد ثالث، لكن عدم استهداف دولة ثالثة لا يعني السماح لطرف ثالث بالتدخل في الشؤون الداخلية للصين أو روسيا، وفيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني، ترفض الصين الانحياز لأن لديها علاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، لكنها لا تتفق مع منظمة حلف شمال الأطلسي التي تستخدم أزمة أوكرانيا لشن حرب بالوكالة ضد روسيا.
الناتو بقيادة الولايات المتحدة هو إرث من الحرب الباردة كان يجب حله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن بدلاً من حل الناتو، قامت القوى الغربية بتوسيعه شرقاً، مما أثار خلافات مع روسيا، وبعد حصولها على الاستقلال، وعدت أوكرانيا بالتخلي عن الأسلحة النووية، وعدم الانضمام إلى الناتو والبقاء على الحياد، لكنها حنثت بالوعدين الأخيرين، مما أدى إلى تفاقم الوضع الأمني في أوراسيا وتشكل تهديداً لروسيا، مما أشعل فتيل الصراع الحالي.
وفيما يتعلق بالمسألة الروسية – الأوكرانية، التزمت الصين بميثاق الأمم المتحدة والمعايير الأساسية للعلاقات الدولية، حيث تقف الصين مع العدالة والسلام، وتدعو باستمرار إلى محادثات سلام للمساعدة في إنهاء الصراع، الذي كان واضحاً في الوثيقة المعنونة “موقف الصين من التسوية السياسية لأزمة أوكرانيا” الصادرة في شباط.
ولذلك خلال زيارة شي لروسيا، ستتمسك الصين بموقفها الموضوعي وتحاول لعب دور بناء في التوسط في السلام بين الأطراف المتحاربة، ولكن بحال كان يمكن حل أزمة أوكرانيا سلمياً أم لا يعتمد على سياسات وإجراءات الناتو بقيادة الولايات المتحدة، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت تقارن أزمة أوكرانيا بمسألة تايوان، من أجل مزيد من التدخل في الشؤون الداخلية للصين.
ومع ذلك، فإن مسألة تايوان مختلفة تماماً عن الصراع الروسي الأوكراني، لأن أوكرانيا دولة ذات سيادة وتايوان جزء لا ينفصل عن الصين، مسألة تايوان هي قضية محلية بحتة للصين، ولقد اتخذت روسيا موقفا واضحا بشأن مسألة تايوان، وجاء في البيان المشترك بين الصين وروسيا في 4شباط 2022 بأن الجانب الروسي يؤكد من جديد دعمه لمبدأ الصين الواحدة، وأن تايوان جزء غير قابل للفصل عن الصين، ويعارض أي شكل من أشكال استقلال تايوان.
ووسط تزايد الشكوك حول العالم، لن تؤدي زيارة الرئيس شي لروسيا إلى تعزيز العلاقات الصينية الروسية فحسب، بل ستساعد أيضاً في استعادة السلام العالمي وتعزيز التنمية العالمية.
المصدر – تشاينا ديلي