هفاف ميهوب:
لكلِّ لوحةٍ حكاية، يرويها الفنان برؤاه، ولكلّ فنانٍ ملهمة، قد تكون الحبيبة أو الزوجة، وغالباً ما تكون الأم ـ الأرض، التي هي مبتدأه ومنتهاه ..
إنها الحياة التي تهبُ الجمال لأعمالهِ، والسرّ الذي يجعله يحاكيها.. الحياة التي تدفّقت في أعمال التشكيلي والنحات “علي رجب حسين”، والسرّ الذي تجلّى في كلّ اللوحاتِ والمنحوتات التي أبدعها، وكانت المرأة والأم تحديداً، أسمى وأجمل معانيها:
قلبٌ واحد.. لعدّة أرواح أو أجساد
“لقد سيطرت المرأة وغالباً الأم، على جميع أعمالي، فوظَّفت خصبها في الكتل، وحنانها ورقّتها في الخطوط، وحبّها في الشموخ، ووجدها في جمالية الكتلة والفراغ.
هذه العلاقة، هي التي جعلت منحوتتي أشبه بكائنٍ ينبضُ بقلبٍ واحد، ولعدّة أرواح أو أجساد يُكمل بعضها الآخر “..
نعم، لقد ركّز الفنان “حسين” في غالبية منحوتاته، على عالم المرأة ولا سيما المرأة ـ الأم.. العالم الذي خلّصه من كلّ وجوه البشاعة، وحمّله حقائق تتدفق بالمعاني التي استمدّها من رؤيته له.. رؤيته لعالم الأمومة الأجمل والأنقى والأصدق والأكثر قيمة.. ذلك أن وجود الأم فيه:
“وجودها قيمة إنسانية ترمز إلى الأمِّ – الأرض، بليونتها ولا محدوديّتها وتجدّدها وعطاءاتها.. المرأة التي أنطقتُ عالمها من خلال تطويع البازلت أو الخشب أو الحجر، لعواطفها الجياشة وأنوثتها وخصوبتها وعطاءاتها التي تتجدّد بها وتستمر”..
تمثّل كرم زيتون
“علي بهاء معلا” هو أيضاً تشكيلي ونحّات، جعل لعالمِ المرأة نصيب كبيرٌ ومميز في أعماله، وبكلّ وجوهها وتجلّياتها، حركاتها ورموزها وتضحياتها، ولأنها برأيه: “المرأة تمثّل عدّة حالات، وهي أثمن شيءٍ في الوجودِ.. تحافظ على السلالات وتحميها. هي الحنان ولولا حنان الأمِّ، لماتَ نصف البشر.. هي ملهمة الرجل والمشجعة له”.
هذا عن المرأة الأم والزوجة والأخت، أما عن المرأة الآلهة، فقد وجدها تتجلّى في الأم الكبرى سورية، وفي الأمّ السورية.. “أم الشهداء”. لوحته الناطقة بأجمل المعاني، والمجسّدة لبلاغة التضحية التي قدّمتها الأم الكبرى، وأم كلّ شهيدٍ أبت إلا أن يكون تاجها، شالاً من كبرياءٍ يسربل المدى بأبيضِ قداسته..
إنها من المنحوتات التي تُشعر من يتأملّها، بأنها عالمٌ يحيا ولا يموت.. عالمٌ تقرأ فيه قوله: “سورية أم الشهداء.. الولاَّدة بكلِّ شيء.. الأرض تبقى مع مكوناتها الترابية والحجرية، وتنبتُ وتتوالدُ بها الأشجار التي منها، الزيتون والجوز والكينا والزنزرخت والسنديان.. الأرض التي ألهمتني منحوتات، كلّ منحوتة منها تمثِّلُ كرم زيتون”..
أم الشهداء المنتصرة
المنحوتة التي تكملها بشموخ آمالها ونظرتها، ترنو إلى القادم الساطع.. قادم سورية التى رأى بأنها: “قدمت أبناء روحها وقلبها، واثقة بأنها ستنتصر بهم على أعدائها.. عناصرها: المرأة، الشمس، البناء، الخوذة، الراية..المرأة التي تمثل سورية شامخة الرأس، وهي تنظر باتجاه الشمس، وتحمل على رأسها الراية السورية، والشمس التي حطّت على البناء الذي نبت من داخل الخوذة، والخوذة تمثّل دم الشهيد”..
كثيرة جداً، اللوحات والمنحوتات التي تجسّد الأمومة بكلّ معانيها، ويمكن القول بأن الغالبية من الفنانين، استمدّوا من هذه المعاني ما ألهمهم تقديم إبداعات، وإن كانت المرأة بكلّ حالاتها هي ما منحها جاذبيّتها، إلا أن الأم ـ الأرض، هي ما جعلها تتفرّد في تميّزها، وتبدع في تبيان أصالتها..