الثورة – ترجمة ختام أحمد:
نُشر أواخر شباط الفائت خبران مهمان باليوم نفسه، الأول يقول إن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها فرضوا مجموعة أخرى من العقوبات الاقتصادية على روسيا.
والثاني صدر عن مسؤولي المخابرات الأمريكية، يفيد أن جمهورية الصين الشعبية تدرس بيع طائرات عسكرية بدون طيار لموسكو، كان هذا الخبر أكثر تحدياً حتى من تصريح وزير الخارجية أنطوني بلينكين قبل أسبوع بأن بكين تفكر في تزويد روسيا بالأسلحة والذخيرة للمساعدة في المجهود الحربي للكرملين في أوكرانيا.
وفي وقت لاحق، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، للصحافة: إن كلا من الرئيس بايدن والوزير بلينكين قد نقلا تحذيرات إلى نظرائهما الصينيين بأن مثل هذه الخطوة ستغير قواعد اللعبة في العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية .
كانت إدارة بايدن والكثير من وسائل الإعلام تعبر عن مخاوفها المتزايدة حول ظهور تحالف فعلي بين موسكو وبكين، فروسيا وجمهورية الصين الشعبية تقتربان بالتأكيد من بعضهما البعض، لاسيما في مواقفهما تجاه الولايات المتحدة، والسبب بكل تأكيد هو غطرسة الولايات المتحدة وبطشها حول العالم، واتبعت واشنطن سياسة مواجهة مقلقة تجاه موسكو وبكين في وقت واحد، هذا النهج ينتهك القاعدة الأساسية للسياسة الخارجية الفعالة ضد استعداء قوتين عظميين في الوقت نفسه، وبالتالي دفعهما إلى التعاون الوثيق لمواجهة الخصم المتبادل.
إلى هذه اللحظة لا تزال سياسة الصين تتسم بالحياد فيما يتعلق بالتوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وروسيا، ولكن مع ميل ملحوظ تجاه موقف موسكو، فقد أصدرت بكين للتو خطة سلام جديدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ويواصل مسؤولو جمهورية الصين الشعبية تصوير دور الصين كقوة محايدة معنية تحاول حل النزاع، ولسوء الحظ فإن إدارة بايدن المحبطة بشكل متزايد من جهودها لتشكيل تحالف عالمي ضد روسيا، تعتبر أي موقف محايد من الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة دعم فعلي لموسكو، هذا ما دعا واشنطن إلى العمل على عزل بكين وموسكو معاً.
بالنظر إلى مكانة الصين كمستهلك رئيس للطاقة ودور روسيا كمنتج عالمي رائد للطاقة، فإن التعاون في هذا المجال منطقي للغاية، وإن زيارة الرئيس الصيني شين جين بينغ إلى روسيا لعقد قمة مع الرئيس بوتين ما هي سوى تأكيد على تحسن العلاقات الثنائية، وقد وقَّع البلدان عدة اتفاقيات في الأشهر الأخيرة تزيد من حجم التعاون الاقتصادي.
فقد ضغطت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صادرات الطاقة الروسية للبحث عن أسواق أخرى، وتبرز الصين باعتبارها الخيار الأكبر والأكثر جاذبية، ففي حزيران 2022، أصبحت روسيا أكبر مورد للنفط لجمهورية الصين الشعبية متجاوزة المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، يبدو أن شيئاً أعمق من العلاقات الثنائية المتنامية بشأن سياسة الطاقة، إذ تبذل روسيا وجمهورية الصين الشعبية (جنباً إلى جنب مع إيران وبعض الجهات الفاعلة الأخرى) جهداً لتخفيف مكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية في العالم، كما أن التعاون الصيني – الروسي في القضايا الإستراتيجية آخذ في الازدياد، جرت مناورات عسكرية مشتركة في عدة مناسبات خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، ويبدو أن هذه العوامل المختلفة تعكس جهداً تعاونياً لمقاومة الهيمنة الأمريكية على مستويات متعددة.
إن سلوك واشنطن تجاه كل من روسيا والصين – وبعضها يعود إلى عقود – سبباً رئيساً لهذا التحالف، فقد أدت التحركات الاستفزازية غير المبررة التي قامت بها الولايات المتحدة منذ التسعينيات إلى تدمير العلاقات مع روسيا وربما لا يمكن إصلاحها، وقد حذَّر بعض محللي السياسة الخارجية في وقت مبكر من أن توسيع الناتو باتجاه الشرق سيؤدي في النهاية إلى مواجهة سيئة مع موسكو، ولقد حذروا قادة الولايات المتحدة بشكل خاص من تجاهل الخطوط الحمراء للكرملين فيما يتعلق بجعل أوكرانيا هدفاً عسكرياً للناتو، و تؤكد الحرب الدائرة الآن تلك التحذيرات.
لسوء الحظ، تعاملت خمس إدارات أمريكية مع روسيا بازدراء من خلال علاقاتها التاريخية في البلقان، والتدخل في الشؤون الداخلية لأوكرانيا مع تجاهل المصالح الأمنية الأساسية لموسكو هناك، وإلغاء التدابير الرئيسة للحد من الأسلحة، مثل معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) واتفاقية الأجواء المفتوحة، وكلاهما كانت مهمة للكرملين ومن خلال التعامل مع روسيا كعدو، أوجدت الولايات المتحدة ذريعة الحرب.
يقول المنطق السياسي، إن دخول العلاقات الأمريكية – الروسية في دوامة الموت، كان على صنَّاع السياسة الأمريكيين تبني موقفاً تصالحياً مع بكين، لكن حدث العكس، فقد نفذت واشنطن إجراءً عدائياً تجاه جمهورية الصين الشعبية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، تبنت كل من إدارتي ترامب وبايدن مجموعة متنوعة من الإجراءات التجارية القسرية، فمثلاً في تشرين الأول 2022 صعّد بايدن التوترات الاقتصادية من خلال فرض قيود تقنية شاملة على الصين، بما في ذلك شرط يمنع جمهورية الصين الشعبية من استخدام رقائق أشباه الموصلات المصنوعة بأدوات أمريكية في أي مكان في العالم، إضافة إلى العقوبات التي فرضتها على شركة هواوي للاتصالات وعلى شبكات جيلها الخامس.
يظل المصدر الرئيس للتوترات بين واشنطن وبكين قضية تايوان، وهذا الخلاف الأكبر الذي جعل بكين تندفع نحو تحالفها مع روسيا لمواجهة قوة الولايات المتحدة.
وبحلول نهاية إدارة دونالد ترامب، وصلت العلاقة الأمنية بين واشنطن وتايبيه لدرجة أنها كادت تشكل ولادة جديدة للتحالف العسكري الثنائي القديم خلال الحرب الباردة، واستمر هذا الاتجاه وتكثف في عهد الرئيس بايدن، فقد تفاخر الزعيم التايواني تساي إنغو وين مؤخراً بأن الجزيرة تعزز علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة مرة أخرى، ويبدو أن التعاون العسكري الثنائي المكثف بالفعل في ازدياد، وأصبحت تايوان بسرعة حليفاً استراتيجياً واقتصادياً وسياسياً للولايات المتحدة، ويتجاهل قادة الولايات المتحدة الخطوط الحمراء لبكين بشأن هذه القضية، تماماً كما فعلوا في الخطوط الحمراء لروسيا فيما يتعلق بأوكرانيا.
فقد أبرزت رحلة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي رفيعة المستوى إلى الجزيرة في صيف عام 2022 وخاصة لقائها مع تساي هذا التطور، وأصبح الدعم الأمريكي صارخاً بشكل متزايد منذ ذلك الحين .
إن تدهور علاقات واشنطن مع الصين ملحوظ ومثير للقلق، فقد نجح قادة الولايات المتحدة في تفجير حتى حوادث بسيطة، مثل تحليق منطاد صيني عبر المجال الجوي للولايات المتحدة، بشكل كبير للغاية، فضلاً عن التوترات الثنائية فيما يتعلق بالعلاقات التجارية وتايوان أكثر موضوعية ومثيرة للقلق.
وقد حذَّر وزير الخارجية هنري كيسنجر ذات مرة من أنه يجب أن يكون من أولويات قادة الولايات المتحدة التأكد من أن علاقات واشنطن مع كل من موسكو وبكين أقرب من علاقاتهم مع بعضهم البعض، لكن السياسات الأمريكية أدت إلى النتيجة المعاكسة، حيث نواجه الآن وضعاً يتزايد فيه التعاون بين روسيا وجمهورية الصين الشعبية في كل من القضايا الاقتصادية والأمنية بفضل سلوك واشنطن المتعجرف، وتستنتج موسكو وبكين أنه يجب عليهما التعاون ضد عدو مشترك يهدد أمنهما ورفاهيتهما، على الرغم من أنه لم تصبح العلاقة بين روسيا والصين تحالفاً كاملاً بعد ، لكن التطورات تتحرك بسرعة في هذا الاتجاه، وقد يؤدي عدم كفاءة واشنطن إلى الكابوس الاستراتيجي الذي أراد قادة الولايات المتحدة تجنبه.
المصدر – تيد جالين كاربنتر