يعد الاتفاق السعودي الإيراني الحدث الأبرز في تاريخ العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط على مدى قرن كامل تقريباً لما لهذا الاتفاق من أهمية من حيث الرعاية الصينية كبعد دولي جديد ومن حيث طبيعة الخلافات التي حكمت علاقات البلدين، وما اعتراها من تأثيرات خارجية ، لم تقف عند حدودهما الخليجية بل تجاوزتها وصولاً إلى سورية ولبنان واليمن والبحرين والعراق وتداخلت مصالحهما سلباً وإيجاباً في الكثير من القضايا الدولية ، لتتربع في قمتها المباحثات النووية التي ما زالت تشغل العالم منذ عقدين من الزمن.
فمن ناحية الصين نجدها بدأت ترسم سياسات جديدة ضاربة عرض الحائط بالمصالح الأميركية كلّها، والتحرك على قدم المساواة معها في تبني اتفاق لمصالحة بدت مستحيلة لفترة طويلة ، لكن بكين التي أقامت علاقات ثنائية مع جميع دول الخليج العربي استطاعت تحقيق شبه المستحيل وهي تراهن على المضي قدماً في هذا الدور الذي سينعكس على علاقات المنطقة كلها فضلاً عن العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية . وفي ظلّ هذا الحدث التاريخي فقدأعلنت الصين تأييدها لمبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون البنّاء مع الولايات المتحدة الأميركية. فقد قال وزير الخارجية الصيني تشين جانغ في بيانٍ بعد اجتماعه مع رجال أعمال أميركيين : إنّ “بكين تدعو دائماً إلى مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون الُمثمر بين الصين والولايات المتحدة”.
فالصين وهي تحتل مكانتها الجديدة التي تريدها على المستوى الدولي ما زالت تحافظ على احترامها ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية بحيث تحافظ على علاقات متوازنة وتأخذ مكانتها الجديدة كقطب عالمي يعرف كيف يبني سياسته الدولية غير عابىء بالموقف الأميركي .
وفي جانب العلاقة بين الرياض وطهران فإن أهمية الاتفاق تكمن في مكانتهما الإقليمية ودورهما في السياسية الدولية ، وأن أي تقارب وتطبيع للعلاقات بينهما سيغير في معادلات المنطقة ويجهض سلسلة طويلة من السياسات الصهيونية التي سعت لتشكيل جبهة معادية لإيران بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية لا تكتفي بالحصار والعقوبات، وإنما تتجه نحو شن حرب طاحنة خيالية، فسقطت تلك المخططات سقوطاً مدوياً أمام اتفاق المصالح المشتركة والوساطات العربية والرعاية الصينية بحيث يبدو تغير خريطة التحالفات المستقبلية صورة مخالفة كلياً للواقع الحالي .
وإن تزامن هذا الاتفاق مع عودة العلاقات القنصلية ما بين دمشق والرياض فإن التواصل بين البلدين الشقيقين مستمرمنذ فترة طويلة بعيداً عن الأضواء ، إذ كانت الرياض تعطي الكثير من المؤشرات الإيجابية والطيبة من خلال دعمها وحدة وسيادة سورية وانسحابها من دعم المجموعات المسلحة وخروجها من المشروع العدواني ضد سورية وعدم السماح بأي نشاطات معادية لسورية ، وعودة العلاقات القنصلية مقدّمة أولية للتوسع في العلاقات الدبلوماسية والسياسية وبعدها العودة المباركة لما يجمع الشعب الواحد في كلّ من سورية والسعوديه كنموذج لتصالح الأخوة الذين ما تخلوا عن أصالتهم لحظة واحدة.