آثارنا جرحنا النازف على طاولة «الثورة».. صدعها الزلزال ونهبها ودمرها رباعي الإرهاب «إسرائيل والمتطرفون والمحتلون واللصوص»

الثورة- حوار : هزاع عساف وسعاد زاهر وديب علي حسن وغصون سليمان وعمار النعمة وفاتن دعبول:

ستروي عبر التاريخ قصص شعب أبى أن يكسر، لملم شظايا ذاته، كما نفعل ونحن نلملم آثارنا قطعة إثر قطعة، كي نعيد إحياءها.. الآثار السورية كانت محور النقاش والحوار الذي استضافته صحيفة «الثورة» في ندوة شاملة على طاولتها بحضور كل من د. همام سعد مدير التنقيب الأثري والبحث العلمي بمديرية الآثار والمتاحف معاون المدير العام، وأيمن سليمان مدير الشؤون القانونية، ود. ديمة الأشقر مديرة المتاحف.
وكانت المحاور التي تم التركيز عليها على التوالي: الزلزال وأضراره وطرق التعامل معه، والعدوان الذي استهدف قلعة دمشق في شهر شباط الماضي، والحرب الإرهابية على سورية واستهداف الآثار، وطرق حمايتها واسترجاع القطع المسروقة بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية.. إضافة إلى محاور عديدة جميعها تصب في نفس المسرب الحضاري الذي يهدف إلى التعاطي مع الآثار بطرق مغايرة للحفاظ عليها، خاصة وأن سورية تعتبر متحفاً أثرياً في الهواء الطلق.

هز مواقعنا الأثرية
لماذا تمكن الزلزال من ضرب بعض المواقع الأثرية بسهولة؟.. مدير عام الآثار والمتاحف نظير عوض الذي أرسل لنا مداخلة صوتية بسبب وعكة صحية ألمت به، يجيب عن هذا السؤال قائلاً: لأن فترة الحرب الطويلة نتج عنها مشاكل اقتصادية كثيرة مما انعكس سلباً على أعمال ترميم وصيانة المواقع التي تأثرت خلال الحرب مثل مدينة تدمر، وزاد الحصار في صعوبة المهمة لأن المواد اللازمة لأعمال الترميم تستورد من الخارج فلم يعد باستطاعتنا الحصول عليها.
وفي حال أردنا استيرادها نحتاج إلى مبالغ كبيرة، لأن هذه المواد مكلفة، كما إن الخبرات قليلة لأن العامل البشري تعرض لحصار وضغوط وفقدنا الكثير منها لأنها هاجرت وتركت عملها.


أيضا أثرت الحرب على التعاون مع المؤسسات الذي كان مفتوحاً، عام «2010» للتعاون مع مئات المؤسسات التي كانت تعمل في سورية، في مجال التنقيب والدراسات والبحوث.
لم يعد باستطاعتهم القدوم وتقديم الخبرات، الأمر الذي جعل الزلزال يؤثر بشكل كبير، خاصة على المواقع الأثرية الواقعة في منطقة الزلزال، لأنه وجد مواقع ضعيفة وغير مستقرة إنشائياً وتعاني من ضعف فكان تأثير الزلزال كارثياً على المواقع الأثرية.

نماذج ثلاثية الأبعاد
د. همام سعد: تناول كيفية التعاطي مع حصر الأضرار قائلاً: منذ اللحظات الأولى التي ضرب بها الزلزال قام فريق من مديرية الآثار والمتاحف يشمل مهندسين وأثريين وفنيين بالتوجه إلى مدينة حلب، وبالتنسيق مع مديرية آثار حلب تم توثيق المواقع المتضررة وإجراء مسح شامل عليها والحصول على المخططات والتوثيق وتحديد الضرر في حلب القديمة والمتحف وعدد من الأماكن وللأسف كان هناك ضرر كبير يحتاج إلى وقت طويل للمعالجة.
كما تمت زيارة القلاع كقلعة صلاح الدين على سبيل المثال المسجلة على لائحة التراث العالمي وقلعة المهالبة، حيث قمنا بإجراء مسح شامل وكان هناك بعض الأضرار المرئية، والبعض الآخر يحتاج إلى دراسات تفصيلية لمعرفة الأضرار غير المرئية.
تحديداً فيما يتعلق بأضرار مدينة حلب يؤكد د. همام بأن التقييم تم بواسطة فريق وطني يضم مهندسين وآثاريين وفنيين بالتعاون مع مديرية آثار حلب، وعمل الفريق على توثيق الأضرار بشكل تفصيلي، والعمل في قلعة حلب، وتوثيق المباني المتضررة بتقنية ثلاثي الأبعاد والتصوير بالطائرة، وننتظر من خلال هذه المعطيات عمل نموذج ثلاثي الأبعاد عن هذه المباني ومن خلال هذا النموذج يمكن الحصول على المخططات وأماكن التصدعات التي لم تكن مرئية بالعين المجردة.
وتم تحديد أماكن الضرر في حلب القديمة من خلال توثيق المدرسة الحلوية وبيمارستان النوري وخان الصابون ومتحف حلب، هذا إلى جانب مجموعة من الأبنية، وبالطبع الأعمال غير كافية، لأن هناك الكثير من الأضرار والأمر يحتاج إلى وقت كبير جداً في ظل عدم وجود تيار كهربائي مستمر، ونحن بحاجة إلى معالجة 10 آلاف صورة وفق برنامج معين، ونتحدث أيضاً عن رفوعات هندسية، كل ذلك يحتاج وقتاً طويلاً، ومع ذلك وثقنا الأضرار في باب أنطاكية وباب قلنسرين.
وأضاف: هناك أجزاء فقدت ولا يمكن إعادتها، ولكنها لا تؤثر على المنظر العام وأصالة المدينة، وهناك جزء من السور تضرر ويمكن ترميمه بحجارة جديدة ولا يؤثر على هوية المدينة، ويجب أن نعترف أنه في الحرب بعض المباني أزيلت من جراء التفجيرات، لكن لم نفقد هوية المنطقة ونسيجها المعماري.

تدخلات إسعافية
حفاظاً على الأرواح البشرية وكإجراءات أولية يقول د.همام: تم إغلاق القلاع وبعض المتاحف علماً أننا ننسق مع المعنيين ومنظمة اليونيسكو للتدخل بشكل سريع وإعادة الترميم بقدر المستطاع، كما نعمل على إعداد ملف كامل وتفصيلي سيرسل إلى اليونيسكو يحتوي على حجم الأضرار والخسائر التي تمت جراء الزلزال والعدوان الأخير على سورية، مشيراً أنه علينا أن نعمل جميعاً لإعادة الحياة لهذه المناطق المهمة تاريخياً وحضارياً وأثرياً.


وأضاف بأن مديرية الآثار والمتاحف تتعاون مع قسم الآثار ومع جامعة دمشق حيث ساهم الطلاب بالتوثيق، وهناك أساتذة ومهندسون في كلية الهندسة المعمارية يتم التنسيق والتعاون معهم للاستفادة من خبراتهم العلمية، مشيراً أن هناك تنسيقاً مع بعض الوزارات أيضاً فأولوياتنا هو التدخل في المناطق المأهولة في السكان.

استهداف لقلعة دمشق
وحول استهداف قلعة دمشق بعدوان إسرائيلي يبين د. همام سعد قائلاً: تعرضت قلعة دمشق والمعهد التقاني للآثار والمتاحف والمعهد التقاني للفنون التطبيقية لعدوان إسرائيلي لم يكن هو الأول، وقد تسبب بأضرار مادية كبيرة في النسيج الأثري لقلعة دمشق المسجلة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979، والمستغرب أن الأماكن المستهدفة هي مؤسسات تعليمية وثقافية.
وعلى الفور طالبت وزارة الثقافة بإدانة هذا العدوان الغاشم، ودعت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المهتمة بالشأن الثقافي، وفي مقدمتها منظمة اليونيسكو للتربية والعلم والثقافة إلى إدانة هذا العدوان، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المعتدي.
بعد العدوان الإسرائيلي ومنذ ساعات الصباح الباكر شارك مجموعة من المهندسين والفنيين وعمال وحراس من المديرية العامة للآثار والمتاحف بفرز الركام من المكان، أملاً بالوصول إلى بعض الأجهزة أو الأدوات المهمة التي كانت تحت الركام الذي تسبب به العدوان، كالأجهزة المساحية عالية الدقة، وأجهزة التصوير والرفع الهندسي، وكذلك الأرشيف والوثائق المهمة المرتبطة بمشروع قلعة دمشق، وهي دراسات وبحوث ومخططات.

آثارنا ليست في حالة مرضية
محور الندوة الذي تناول «الحرب الإرهابية والآثار» وضحه مدير عام الآثار والمتاحف نظير عوض قائلاً: بأن حالة الآثار اليوم ليست مرضية، بعد «12» عاماً من الحرب مئات الألوف من الآثار هربت إلى الخارج، بعض التلال جرفت بالكامل، لقد عاشت آثارنا تدميراً ممنهجاً بآليات وأدوات مختلفة لا يستهدف الآثار فقط، بل والهوية السورية.
استخدموا خلال تدميرهم السرقة، محاولة طمس المواقع الأثرية ونسبها إلى آخرين، إنه هجوم يشن عليها باعتبارها الهوية الجامعة لكل السوريين.
من الأماكن التي حصل عليها تعدٍ، ايبلا، ماري، تدمر، قلعة حلب، والملف الأخطر التنقيب الذي جرى في كل المواقع التي يسيطر عليها الإرهابيون حيث عاثوا فيها فساداً ونقبوا لتهريب قطع أثرية إلى الخارج وهناك مئات الألوف من القطع الأثرية السورية التي أخرجت من السويات الأثرية، بل إن بعض التلال جرفت بالكامل باستخدام آليات ثقيلة وهذا يعبر عن وحشية ما حدث خلال الحرب.


د. همام سعد تناول الأمر من منظور آخر قائلاً: لم نكن مستعدين لهذه المخاطر والهجوم على المواقع الأثرية أو تدميرها لأي سبب كان، لاسيما في مدينة تدمر وأهميتها ومدى علاقتها مع السكان محلياً وعالمياً.
لقد خطط الإرهابيون بشكل ممنهج لتدمير الآثار فقد رأينا تفجير معبد بعل شمين الذي له دلالة رمزية على مستوى المشرق العربي وكانت تتم فيه طقوس الحج في القرن الأول الميلادي، بهدف الهدف القضاء على هذا الرمز المرتبط بهوية الشعب، وكذلك الأبراج الجنائزية المعروفة على مستوى العالم كونها تقليداً محلياً معروفاً أنها صنعت في تدمر….
أما الأشخاص الذين كانوا يدمرون هذه المباني وهذه التماثيل كان لهم أسباب أيديولوجية، والبعض توجه إلى سرقة الآثار، وبالتالي سرقة هوية الشعب السوري، ولاسيما أن هناك متاحف ناشئة تحتاج تغذية، وهذه التغذية تتم من خلال سرقة القطع الأثرية الموجودة في تلك المتاحف أو الموجودة في تلك المواقع الأثرية كسرقة المدافن الجنوبية في تدمر والمقابر إما لأسباب أيديولوجية أو أسباب شخصية.

في أماكن آمنة
الدكتورة ديما الأشقر أوضحت أنه عندما دخلت المجموعات الإرهابية وبدأت تشكل خطراً على المتاحف، ارتأت المديرية خطة بإفراغ المتاحف ونقلها إلى أماكن آمنة في دمشق، وذلك بمساعدة الموظفين والمجتمع الأهلي، وتم إنقاذ نحو 90% من قطع المتاحف خلال الحرب.
كما قامت المديرية بحملات توعية للناس من أجل حماية الآثار، ما ساعد في التقليل من الأضرار، وهذا بالطبع تم في الأماكن التي لم تخرج عن سيطرة الدولة.

ضرب من الخيال
وحول أهم الإجراءات التي قامت بها مديرية الآثار في ظل الحرب الإرهابية على سورية، وبعد الزلزال الذي أصاب العديد من المواقع الأثرية؟ أوضح أيمن سليمان أن سورية» متحف في الهواء الطلق» وإمكانية حماية هذه المواقع من قبل مديرية الآثار ضرب من ضروب الخيال، وقضية سرقة الآثار ليست قضية مستجدة سواء في سورية أو غيرها من البلدان الغنية بإرثها الثقافي، لكنها تنشط بزمن الحروب بسبب الانفلات الأمني، ولكن يجب أن نؤكد أن الكثير من الآثار التي فقدت من المتاحف أعيدت، لأن كل قطعة لها صورة وهوية، ويتم موافاتنا عبر الانتربول الدولي بموجب اتفاقات دولية لإعادة القطع المسروقة.
لكن الملف الأخطر هو التنقيب غير القانوني الذي يتم في التلال والمواقع التي يسيطر عليها الإرهابيون، وهذه القطع من الصعوبة إعادتها، وتبقى هذه القضية جرحاً نازفاً.
يزداد الأمر صعوبة عندما يكون هناك عصابات منظمة» المافيا الدولية» التي تعمل على سرقة الآثار وتخفيها لسنوات طويلة، وخصوصاً أن هذه العصابات تضم خبراء يعملون على تغيير هوية القطع الأثرية، ونحن بدورنا علينا بداية توثيق الجريمة، ومن ثم المطالبة باسترداد القطع المسروقة بالاستناد إلى الاتفاقيات المبرمة بين الدول مثل اتفاقية باريس التي تنص» على الدولة طالبة الاسترداد أن تدفع للمقتني بحسن النية، المبلغ الذي دفعه» يعني أن المديرية ستضطر لدفع ثمن هذه القطع.
ضمن المحور نفسه يؤكد الدكتور همام سعد، أن استراتيجية مديرية الآثار وحسب الظروف المؤاتية تقوم بالعمل على استعادة الآثار، وتوثيق الجريمة بتفصيلاتها وإعداد الملفات، وانتظار الوقت المناسب لتحريكها، فالحق بالمطالبة بهذه الآثار لا يموت ولا يسقط بالتقادم.
ويبين بأن الذين ساهموا بإنقاذ مقتنيات متحف تدمر هم موظفو مديرية الآثار الذين كانوا على رأس عملهم بالتعاون مع الجهات المعنية التي كانت متواجدة في اللحظات الأخيرة قبل دخول إرهابيي داعش.
وذكر أنه في أماكن أخرى هناك ما يزيد على ١٤ شهيداً استشهدوا أثناء تأدية عملهم سواء في دير الزور أوفي دمشق وريفها، فقد أودت قذائف الموت التي سقطت على دمشق بحياة الفني الكيميائي، خريج إيطاليا الشهيد قاسم أثناء ذهابه إلى عمله في قلعة دمشق.
وفيما يخص الأعمال بمدينة تدمر نوه أنه تم في المشروع الأول ترميم متحف التقاليد الشعبية سابقاً بالتعاون مع وزارة السياحة، والمشروع الثاني كان ترميم نبع أفقا الطبيعي بالتعاون مع الفيلق الروسي الاستكشافي التطوعي، حيث تم اختيار هذا النبع باعتباره مصدراً للحياة.. ولعودة السكان إلى العمل بحقولهم كان لابد من إيصال المياه إلى البساتين بعد أن جفت واحترقت أشجار النخيل، أما المشروع الثالث والذي هو قيد الإنجاز هو ترميم قوس النصر مع الأكاديمية الروسية للعلوم والأمانة السورية للتنمية والمديرية العامة للآثار والمتاحف، إذ تم الانتهاء من أعمال المرحلة الأولى، وهي فرز الركام وأعمال التوثيق، والآن يتم إعداد دراسات المرحلة التنفيذية.

د. همام سعد: ضرر الزلزال كبير ويحتاج إلى وقت طويل للمعالجة


روح الانتماء للأمكنة
وحول هوية الآثار وكيف نعزز مفهوم السلوك والحفاظ على الأمكنة الأثرية بما تحمله من خصوصية رد الدكتور سعد بأن لهذا الجانب شقين.. الأول يتعلق بشريحة من الناس لديها انتماء واتصال مع التراث وهذا ما أظهرته الحرب العدوانية على بلدنا إذ رأينا نوعين من الانتماء نوع ساهم في الحفاظ على المواقع الأثرية والتراث والنوع الآخر ساهم بالتخريب والسرقة من المجتمع المحلي، فليس من قام بالتخريب جميعهم من الخارج بل من المجتمع المحلي وهذا ما أثبتته الصور أثناء تفجير معبد بل بتدمر وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي والذي كان جزءاً من هؤلاء هم من أبناء المدينة، وبالتالي فقد لعب المجتمع المحلي دوراً سيئاً في جزء منه، وفي جزء آخر كان الدور إيجابياً في صون التراث الثقافي السوري ..
إلا أن تعميق الانتماء من وجهة نظر مدير التنقيب يكون من خلال التشريعات والإجراءات عندما تساهم بتوطيد العلاقة بين المواطن والآثار..لافتاً إلى أنه عندما يكون هناك على سبيل المثال لا الحصر قرارات جائرة بحق السكان، من الطبيعي أن يشكل هذا التراث عبئاً على أصحاب المنطقة الأثرية، ففي قوانين السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وحتى في الفترات الأخيرة قبل الحرب، فإن المعمول به أنه عندما يكون لدى المواطن أرض ما، وتم تسجيلها على أنها أثرية يمنع على صاحبها كل شيء.. زراعتها وبنائها واستملاكها واستثمارها وحتى التعويض عنها، رغم أنها ملك خاص له.

حماية الآثار
كيف نحمي الآثار من المجتمع يقول د. سعد الجواب أنه عندما تكون الجهة الوصائية المعنية لا ترى غير مصلحتها، لاشك أنها تترك فجوة بينها وبين المجتمع، فهناك شيء اسمه «مبدأ السلل المتوازنة أو المتكافئة»، مثال ذلك هل يعقل أن يكون الشخص صاحب منزل ومسجلاً أثرياً في دمشق القديمة المأهولة والرائعة والمسجلة على لائحة التراث العالمي عبئاً عليه؟
ما هذه المفارقة بنظام الضابطة على بعد أمتار من المنزل يسمح ببناء العديد من الطوابق فيما بيته طابق واحد ولا يسمح له بالزيادة.؟!
لذلك من الضروري أن الذين يعملون بالآثار كمشرعين وفنيين يتوجب أن يكون لديهم القدرة دائماً على الإبداع والابتكار فيما يخص الحلول والبدائل.
ولعل الأهم من وجهة نظره أن حماية الإرث الثقافي يبدأ من أن يعود بالنفع على أصحابه، وإلا فإننا نبقى في حالة فراغ إلى حد ما، لذلك أول ما يجب أن نفكر به هو تنمية المجتمع المحلي حول الموقع الأثري بما يناسب البيئة المحيطة من زراعات سائدة ومنتجات وصناعات تقليدية مختلفة.


واعتبر مدير الشؤون القانونية أنه يفترض بمن يشتغل بهذا الملف أن يكون على دراية بالواقع تفادياً لعشرات الحوادث المؤلمة التي حصلت حين كان البعض يقوم بعملية البناء والتشييد وحفر الأساسات وعندما وجدوا الآثار ردموها بالإسمنت خوفاً من المعنيين بالآثار، وبالتالي لردم هذه الفجوة نحتاج تشريعات مناسبة والخروج من عباءة المرسوم ٢٢لعام ١٩٦٣ والذي لم يعد يصلح كإطار قانوني لحماية الآثار وضرورة الإسراع بصدور التشريع المعد والجاهز منذ سنوات.
إضافة إلى إحداث هيكل إداري يتناسب مع المهام المطلوبة كإحداث هيئة عامة لها ارتباطها وصلاحياتها بما ينعكس إيجاباً على الهوية الثقافية والإرث الثقافي. لطالما الفكر التشريعي القانوني تغير وتطور بالعالم كله وتعدلت النظرة إلى جملة الآثار وأصبح الإسم هو رأس المال الثقافي أو المورد الثقافي.

أيمن سليمان: نطالب باسترداد القطع المسروقة استناداً للاتفاقيات الدولية

سرقة الآثار.. تعاون محدود
هل هناك من يتعاون معنا في ملف استرداد القطع الأثرية المسروقة..؟ يقول د. سعد: مازال هناك أوفياء لسورية يتعاونون في استرداد العديد من القطع المسروقة، فالعلاقات الدبلوماسية الجيدة تساهم في هذا الأمر، مثلاً الدولة اللبنانية الوحيدة التي تتعاون معنا بشكل رسمي عن طريق سفارتنا في لبنان، وأيضاً نجحنا في استرداد 3 قطع تدمرية من سويسرا.
ولكن للأسف عندما نتحدث عن متحف إدلب والرقة وغيرهم من المتاحف، فنحن نتحدث عن آلاف القطع التي سرقت، وموضوع الاسترداد شائك جداً، وخصوصاً في المواقع التي يتم فيها الحفر بطريقة غير شرعية مثل موقع ماري الذي وجد فيه 2000 حفرة، ولا نعلم عدد القطع المسروقة ولا نوعيتها، ولا يوجد معلومات عنها، وأكثر القطع تهرّب عبر الحدود التركية.
أما فيما يخص أسباب هذه الظاهرة فيقول إن هناك أيديولوجيات محددة اتضحت في تدمير الكثير من التماثيل والمباني، وربما يكون للسرقات أهداف مادية وغايات في استكمال مجموعة من القطع الأثرية أو ثمة أهداف تاريخية لهذه السرقات.

دعم دولي بشروط
وحول حماية الآثار بين أيمن سليمان مدير الشؤون القانونية في مديرية الآثار والمتاحف أن منظمة اليونيسكو هي المعنية بالشأن الثقافي، ولكن هناك أيضاً بعض الاتفاقيات كاتفاقية باريس للعام 1972 التي تنص على حماية التراث الثقافي وخصوصاً المسجل منه على لائحة التراث العالمي سواء في مدينة حلب أو مدينة دمشق.
ومنظمة اليونيسكو ملتزمة بتقديم الدعم الفني وأحياناً الدعم المادي ولكن الدعم مشروط بأن تقدم الجهة المتضررة تقريراً علمياً تفصيلياً مبنياً على معايير علمية دقيقة» نوع الضرر الواقع، أثره على البنية الإنشائية، أثره على العناصر التي على أساسها سجل الموقع على لائحة التراث العالمي، تأثيره على أصالة الموقع بشكل عام ومدى الحاجة للتدخل ..» بحيث يكون على مستويات يحدده حجم الضرر الواقع، وهنا يجب إعداد ملف كامل ويرسل لليونيسكو ويناقش على مستوى الأمانة العامة في اليونيسكو ويتخذ القرار في الموضوع.


وسبق لليونيسكو أن ساهمت بحملات إنقاذ كثيرة مثل إنقاذ معبد أبو سنبل بالسد العالي، وعلينا نحن كمؤسسة أن نعمل بداية على مبدأ» سد الذرائع» سواء قامت المنظمة بدورها أم لم تقم، وذلك عبر توثيق الضرر بشكل كامل وإعداد الملف وفق المعايير العالمية مع مراعاة آلية الإرسال، وهذا ما حدث في قلعة دمشق عندما تعرضت للقصف الإسرائيلي، فقد سارعنا وضمن الإمكانات المتاحة بالتعاون مع مديرية التنقيب الهندسي إلى توثيق الجريمة وتوثيق الضرر، وهي أول خطوة للحصول على تصريح بالإدانة.
وكلما كان الملف متكاملاً لجهة دقة التقارير العلمية وتحديد الضرر بمستوياته» شديد، متوسط، ضعيف» يكون التدخل، سواء تدخل طويل الأمد أو متوسط الأمد أو تدخل سريع، وتكون الأولوية بالطبع لسلامة البشر وخصوصاً في الأماكن المأهولة بالسكان، مع مراعاة المعايير العلمية التي تحافظ على النسيج الأثري ومعايير التدخل» تدعيم، أو ترميم».

د. ديمة الأشقر: منذ بداية الحرب أفرغنا المتاحف ونقلناها إلى أماكن آمنة


تدمر لا تشبه سوى ذاتها
حتى يبقى ما عشناه خلال سنوات الحرب ماثلاً أمام أعيننا، قالت د. ديما الأشقر أن خطة افتتاح متحف تدمر تشتغل على إقامة قاعة خاصة فيها شاشات عرض لرؤية حجم الدمار الذي حصل في هذا الموقع، وكيف سرقت القطع الأثرية، وكيف كانت حالته قبل أن يرممم.
وعن كيفية تعميق علاقة الجيل مع حضارتنا قالت د. الأشقر أنه من خلال التأكيد على ضرورة تعليم و تربية الطفل من الصغر على أهمية الآثار كونها تشكل هويته، وانتماءه، ماضيه، ومستقبله، ليعي أهمية وجودها وكيف نحافظ عليها، وبنفس الوقت من الضروري أن تتضمن مناهجنا التربوية مادة مبسطة عن أهمية الآثار وخصوصيتها وما تعنيه لكل مجتمع.
ومن المهم أيضاً من وجهة نظر الدكتورة الأشقر زيارة الأطفال إلى المتاحف وإطلاعهم وإشراكهم من خلال ورشات عمل صغيرة على بعض الأدوات البسيطة تبين لهم كيف يتم إخراج الأثر، وكيف تتم صناعة الفخار وغيرها ما يضيف أثرًا إيجابياً في ذاكرتهم إلى جانب القراءة وواجباتهم الدرسية.

حتى نخرج من الحفرة
حتى نخرج من الحفرة الموجعة ونرمم جرح سورية النازف لابد من تحسين الإمكانيات يقول أيمن سليمان، جميعنا في المعركة ونحتاج الإضاءة البناءة، ولدينا الأمل بتحسن هذا الواقع، ولكن لكي ننجح من المهم تحسين إمكانيات مديرية الآثار بدءاً من الكادر البشري التخصصي ..على أن يكون الدعم المالي والبشري والتقني وفق المنطق والاحتياجات وهذه أولوية لوضع خطة وطنية شاملة للتعاطي مع الإرث الثقافي تحدد من خلاله كل أدوار المؤسسات.
وقال: نحن مع الاستثناء في التعاطي مع الآثار بكل شيء، وإذا ما حصل أي تقصير بموقع ما، او خلل بمشروع ما فهو تقصير وخلل بحق الهوية الوطنية التي نحارب فيها ومن خلالها حيث جند ويجند الأعداء الأموال الطائلة لسلبنا إياها والعمل على اقتلاعنا من الجذور.

غنى أثري
أخيراً جميع المداخلات أكدت على أن آثارنا شاهدة على حضارة تمتد في العمق الموغل للتاريخ، لا أحد يمتلك الآثار التي تمتلكها مدينة تدمر، وبصرى، أو أوغاريت، وقلعة دمشق، والحصن وصلاح الدين وقلعة مصياف وغيرها.
في سورية تراث ثقافي يتطلب رصد إمكانيات وخبرات ومواهب لنقل شعار سورية مهد الحضارات إلى موضع التطبيق.
وختم المحاورون بالندوة داعين إلى تغيير الذهنية التي تتعاطى مع الآثار وتعديل النظرة، فالآثار ليست هوية فقط، بل مورد ومصدر اقتصادي مهم لا ينضب كما النفط، ليتم التأكيد أن هناك قطعاً أثرية بالعالم تدفع أموال طائلة لرؤيتها من الصندوق بالعين الساحرة لنصف دقيقة فقط.
تصوير- عدنان الحموي

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى