ثمة متغيرات كبيرة في مشهد الصراع العربي الصهيوني، تنذر بنتائج كارثية على الكيان المؤقت ذاته، فهو يسلك سلوكاً انتحارياً يختلف كثيراً عن تاريخه العدواني كله، إذ إن الأكذوبة والخرافة التي تم اعتمادها أساساً لتنفيذ مشاريع السيطرة الصهيونية تنعكس سلباً على مجتمع المستوطنين وعلاقتهم بحكومتهم التي وعدتهم بالأمن والأمان، ليجدوا أنفسهم أمام مخاوف أمنية كبيرة، سببها الشباب الفلسطيني من الفدائيين الخارجين من جذر الشعب وغير الخاضعين لسلطة المنظمات والفصائل الفلسطينية، فينفذون عمليات بطولية تستنفر كل قوات سلطات الاحتلال لملاحقات تنتهي بخسائر بشرية كبيرة،
كل ذلك يتم في ظل حالة يأس وتمرد وانقسام مجتمعي بين المستوطنين تمثل بأزمة سياسية داخلية ما زالت تتفاقم على مدى السنوات الأخيرة ، فما المخرج ، وكيف يكون السلوك الصهيوني؟
اعتاد كيان الاحتلال تصدير أزماته الداخلية عدواناً على الجوار، فيجمع تنظيماته الإرهابية المختلفة ويوحد الموقف الداخلي، وكان جيل المؤسسين ممن شكلوا العصابات الإرهابية قبل نكبة الاحتلال أكثر قدرة على تنفيذ تلك السياسات كمخارج عملية على امتداد قرابة خمسة عقود من العدوان، لتتوسع بعدها دائرة التطرف والكراهية كنتيجة لسياسات التربية والتعليم وسياسات الإعلام القائمة على ضخ المفاهيم الخرافية والدينية البغيضة في أذهان الأجيال الجديدة ممن لا يسمح خيالها بوجود الفلسطينيين على أرضهم التاريخية، ويبدو أن حالة التناقض ما بين الواقع من جهة والمفاهيم الخرافية المؤسسة للمجتمع الصهيوني العدواني من جهة ثانية، فاقمت حالة العدوان، وهو ما احتاج رداً جاء خارج سياقات المتوقع كلها عبر تشكيلات الشباب الفلسطيني المقاوم بطريقته الجديدة الخاصة والقادرة على استنفار كل قوات سلطات الاحتلال بشكل جنوني خلال كل عملية، لتأتي الأيام الأخيرة حاملة معها نشاطات مقاومة تربط ساحات المواجهة بين الداخل والخارج بصورة أثارت جنون القيادات السياسية والعسكرية والأمنية داخل كيان الاحتلال، فاختلفت فيما بينها على شكل الرد، حيث تسقط هنا كل النظريات الصهيونية بشأن إمكانية الردع وفرض قواعد اشتباك تم وضعها بوساطة دولية بعد كل حرب أو مواجهة.
لقد كانت الأيام الماضية شديدة الصعوبة على كيان العدو بعد خمسة وسبعين عاماً على قيامه المؤقت وهو يعيش حالة تخبط نتيجة اعتقاد الكثيرين بحتمية هزيمته ونهايته عقائدياً، وموافقة التحليلات والتوقعات العلمية مع هذا الاعتقاد بعد سنوات طويلة من المواجهات وبروز قوة ردع مقاومة تنذر بتدمير هذا الكيان المؤقت ووضع نهاية لوجوده أصلاً .
فرغم امتلاك ترسانة عسكرية كبيرة، كلاسيكية ونوعية، ورغم الدعم الأميركي والأوروبي، ورغم سنوات الاختراق السياسي في معظم القارات، فإن القدرة على احتمالات نتائج أي مواجهة تؤكد هزيمة لا يستطيع احتمالها هذا الكيان المؤقت، ليثبت أنه كان كياناً مؤقتاً فعلاً، ولا يمكن أن يكون خلاف ذلك.
والمعضلة التي تواجهها حكومة نتنياهو باتجاهاتها العدوانية المتزايدة تتمثل في الخوف من اتخاذ قرارات البدء بأي عمل عدواني يفضي إلى النهاية، وعودة المستوطنين إلى دولهم ومجتمعاتهم التي هاجروا منها، فلا الأسلحة النووية نفعت، ولا الدعم الاستعماري قادر على تغيير حقائق التأريخ والجغرافيا.
