الملحق الثقافي- فاتن دعبول:
من البدهي أن نؤمن بأن فكرة القومية العربية لا تزال حية في نفوس الشعب العربي، ويتضح ذلك في غير موقف تتجلى فيه هذه الوحدة سواء لجهة الوقوف إلى جانب فلسطين في مواجهتها الدائمة مع العدو الصهيوني أو في تلبية الدول العربية لنداء الإنسانية عند تعرض سورية للزلزال المدمر، فقد شاهدنا كيف سارعت إلى تقديم المساعدات المالية والعينية لإنقاذ المتضررين، والوقوف إلى جانبهم والتخفيف من مصابهم.
وليس بعيداً ما شاهدناه في الأولمبياد الذي استضافته الدوحة وكيف رفع العلم الفلسطيني في الملاعب والساحات، ما يؤكد أن قضية فلسطين كانت وما زالت هي القضية الأساس لأبناء الأمة العربية.
هذا إلى جانب التشجيع الذي حظي به الفريق الرياضي للمغرب، من قبل الشعب العربي في الدول العربية كافة، ما يؤكد أيضاً أن جميع محاولات تكريس النزعة الإقليمية والتجزئة باءت بالفشل، وقد تغلبت عليها مقومات الأمة العربية التي تجمعها من وحدة اللغة والدين والثقافة والتاريخ المشترك والمصير الواحد، لأنها من أقوى العوامل التي تسهم في قوة العرب ووحدتهم.
وهذا بدوره يجعل الطريق معبدة إلى حد ما باتجاه تعزيز الفكر القومي العربي، ولكن برؤية جديدة تعتمد على التجديد بما يوائم متطلبات العصر والتغيرات التي تطرأ عليه.
فكيف يتم تكريس الفكر القومي وما هي أهم الضرورات لتجديده، سؤال توجهنا به إلى الدكتور إبراهيم زعرور الباحث في التاريخ ورئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب.
يقول د. إبراهيم زعرور:
كنت ولا زلت أؤمن وسأبقى أيضاً، أن الفكر القومي العربي هو الخيار الاستراتيجي الوحيد الذي يستطيع النهوض بالأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ويجعل منها الرقم الأهم في التوازنات الإقليمية والدولية.
ولا يستطيع الباحث أو المهتم تسليط الضوء على هذه القضية الاستراتيجية المرتبطة بوجود الأمة من خلال بضعة سطور وكلمات وجمل ليظهر مدى الحاجة والضرورة للفكر القومي العربي وتجديده، لكن لابد من التأكيد على بعض القضايا المرتبطة بإحياء الفكر القومي وتجديده، عندما نعرف أن حاضر الأمة ومستقبلها ومستقبل الأجيال وحياتهم ومصيرهم مرتبط بالوجود الحقيقي للفكر القومي العربي.
ولعل هذا يستلزم ويستوجب اتخاذ التدابير والترتيبات الجماهيرية الشعبية وعبر القنوات التي تتصل بالجماهير من منظمات ونقابات وهيئات وأحزاب ومؤسسات أهلية وشعبية ورسمية وأفكار روحية وفكرية وسياسية والذهاب إلى العمل الدؤوب والشجاع بتحليل الواقع العربي وإظهار نقاط الضعف والقوة فيه، لتعميق نقاط القوة وتضييق مساحات نقاط الضعف.
ومن هنا يمكننا القول: إنه لابد من توظيف كل الاتجاهات الروحية والفكرية والثقافية والحزبية والسياسية والتربوية والتعليمية وغيرها الكثير، لمحاربة كل ما يمنع حضور الفكر القومي العربي وبقوة في كل المؤسسات آنفة الذكر، وفي وسائل الاتصال الجماهيري والإعلام بكل أنواعه وخاصة الإعلام الإليكتروني ومواقع التواصل، لتوعية الأجيال بضرورة الفكر القومي العربي، لأن تطبيق الفكر القومي العربي، يعني الأمن القومي العربي بمواجهة الأعداء الذين يشكلون خطراً حقيقياً على وجود الأمة العربية ومستقبلها، ثم الأمن الاقتصادي العربي والأمن الغذائي العربي والأمن المائي العربي والثقافة العربية والفكر القومي العربي الإنساني.
وقد يسأل أحد كيف يمكن تحقيق ذلك في واقع عربي ممزق ومفتت ومنقسم سياسياً وقطرياً وتابعاً لقوى إقليمية ودولية، وهو سؤال مشروع، ومن السهل الإجابة عليه:
إن الأمة العربية إذا ما توحدت على الفكر القومي العربي، فإنها تشكل الرقم المهم ليس على مستوى الإقليم، وإنما على المستوى الدولي العالمي من حيث القوة البشرية والاقتصادية والموقع الاستراتيجي والممرات التجارية، وتسهم بشكل حقيقي في تثبيت الأمن العالمي، ولعل في مقدمة ما نحتاجه هنا هو الاعتماد بشكل أساسي على اللغة العربية الفصحى في حياتنا ومدارسنا وجامعاتنا وإعلامنا ومؤسساتنا الثقافية بمواجهة السلوك القطري واللهجات المحكية لكل الأقطار العربية.
كثير من المصطلحات يتم تداولها وهي في مضمونها تحارب الحالة القومية من مثل ترديد عبارة» الشعوب العربية» ونحن شعب عربي واحد، فنحن كنا وما زلنا وسنبقى، واللغة العربية هي العمود والحامل لهذه الأمة، والبعض يقول عن العرب» الأمة» لمجلس منتخب أو غير منتخب من الناس، أو يقول» الفن» وهذا ينطبق على كل أنواع الفنون، مثلاً الأغنية الخليجية أو السورية أو المصرية وغير ذلك، وهي الأغنية العربية والفن العربي والحضارة العربية والثقافة العربية والتاريخ العربي، وهناك أمثلة كثيرة للتدليل على ذلك.
ثم إن تبعية أغلب الأقطار العربية سياسياً واقتصادياً للغرب المستعمر ولأميركا التي تهيمن على العالم منذ نهاية الحرب العالمية وتسيطر على قرارات الشعوب والدول وتنهب الثروات وتخترق سيادة الدول وتحتلها وتخلق الفوضى والإرهاب مع الغرب الذي يسير تحت الغطاء الأميركي، بمعنى آخر أرادت أميركا أمركة العالم في كل قضايا الحياة بما فيها أسلوب» الطعام» وعممت النظام الاستهلاكي والوجبات السريعة والموسيقا والسينما والإعلام الشيطاني وغير ذلك الكثير.
ونحن اليوم حقيقة أحوج ما نكون للفكر القومي العربي، لأن وجودنا مهدد بالكامل وأنا من المؤمنين بالفكر القومي العربي، وأنا ابن هذا الفكر، حيث نشأت وتكونت وترعرعت وتعلمت في مدرسة وأفكار البعث العربي الاشتراكي منذ ستينيات القرن الماضي، ولا أستطيع أنا أو غيري تجاهل أو إلغاء الأفكار الأخرى، إنما نحتاج إلى الحوار الموضوعي الشامل.
وأنا على يقين أن قيام الوحدة العربية على أساس الفكر القومي، يسقط التخلف والجهل والأمية والتبعية، ويقضي على آثار الاستعمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وسواه، وينقل الأمة من هذا الواقع المريض جداً بكل مستوياته إلى أخذ مكانها الطبيعي في العلاقات الدولية، لأن قيام الدولة العربية الواحدة، يجعل منها رقماً مهماً جداً في العلاقات على مستوى الإقليم أو المستوى الدولي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلمياً وحتى عسكرياً وأمنياً، وتصبح دول العالم بحاجة حياتية للتعامل بندية مع الأمة العربية من موقع الاحترام المتبادل والمنافع والمصالح أيضاً.
ولعل المشروع الأخطر الذي يواجه المشروع القومي العربي، هو المشروع الصهيوني واستطالاته واحتلاله لفلسطين والجولان العربي السوري وبعض الأراضي اللبنانية، وأيضاً اليوم الاحتلال الأميركي والتركي والإرهاب، يشكلون الخطر الداهم للمشروع القومي العربي، ولا سبيل على الإطلاق إلا برد الاعتبار وتحديد الفكر القومي العربي للنهوض بالأمة لتشغل المكان المناسب لها.
ولعل بالعودة للتاريخ نجد الدور الحضاري للأمة العربية، علماً ومعرفة وثقافة وفكراً وحضوراً مميزاً على المستوى الإنساني، وعلينا جميعاً أن نعمل بروح جماعية توعوية، وعلى كافة المستويات أفراداً وجماعات ومؤسسات لإعادة الاعتبار للفكر القومي العربي، وهو خيارنا الاستراتيجي للحفاظ على وجود الأمة العربية وتحقيق رسالتها الإنسانية.
العدد 1140 – 11-4-2023