غصون سليمان:
تطرح العلاقة بين التعليم وسوق العمل مشكلات عديدة ليس فقط من حيث مدى التطابق العددي بين العرض والطلب ولكن في مدى التطابق النوعي أيضاً ولعل التوازن الذي يتم في السوق يلعب التعليم دوراً محورياً في تحسين الخصائص النوعية للسكان وقوة العمل، والسؤال ما هي التركيبة التعليمية لقوة العمل وكيف نفهم طبيعة المؤشرات التي تساعد على هذا التوازن والتعليم وسياسات الأجور ومدى تحفيزها على التعليم العائد على التعليم ذاته؟
الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان في تقريرها لحالة السكان ٢٠٢٠ عرجت على الكثير من المسائل والتفاصيل التي أثرت على اختلال التوازن في البطالة أو عجز عرض قوة العمل .
تأثير سياسة الاستيعاب على سوق العمل
لقد انتهجت سورية خلال العقود الماضية سياسة الاستيعاب في التعليم العالي حيث كانت الأعداد المقبولة سنوياً في جميع الاختصاصات تنطلق من منطلق شبه وحيد يتمثل في الطاقة الاستيعابية للكليات والمعاهد، وفي السنوات الأخيرة وبهدف تحسين نوعية التعليم بدأ الأخذ بعين الاعتبار مؤشرات الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي المعتمدة على مؤشرين رئيسيين متعلقين بمتوسط عدد الطلاب للمدرس، والقاعة الصفية في مرحلة التعليم الثانوي، ومتوسط المساحة المترية للطالب، ومتوسط عدد الطلاب للأستاذ الجامعي في مرحلة التعليم العالي.
وكانت نتائج أومخرجات سياسة الاستيعاب سلبية على سوق العمل تمثلت على عدة صعد منها: معدلات بطالة مرتفعة لبعض الاختصاصات وخاصة من حملة شهادات العلوم الإنسانية إذ تتراوح نسبتهم وسطياً بما يزيد عن ٤٠% خلال السنوات العشر الأخيرة من مجموع الخريجين في الجامعات الحكومية .
الأمر الثاني يتعلق بالهدر التعليمي والذي يتجلى في أن نسبة غير قليلة من المتعلمين يعملون في مجالات بعيدة عن اختصاصاتهم وخاصة من خريجي العلوم الإنسانية، أو أنهم يمارسون أعمالاً هامشية لا تتناسب ومستوى تحصيلهم العلمي نتيجة عدم توفر فرص عمل تتناسب والاختصاص الذي يحملونه.
أيضا هناك اختلال جغرافي من حيث تطور الموارد البشرية مع متطلبات التنمية، فلقد حصلت بعض المناطق على مستويات أدنى من المستوى الوطني في مؤشرات التركيبة التعليمية لقوة العمل والمشغلين.
احتياجات التنمية
كما أن هناك تشوهاً في العلاقة بين احتياجات التنمية في الموارد البشرية باختصاصاتها المختلفة من ناحية العلاقة بين الخريج الجامعي وما يقابله من خريجي المعاهد الفنية والعمالة الماهرة.
لقد أدى ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم إلى تحسن كبير في التركيب التعليمي لقوة العمل خلال سنوات ما قبل الحرب، حيث ارتفعت نسبة قوة العمل جامعية التأهيل من ٧% إلى ٨،٩% بين عامي ٢٠٠١و٢٠١١ وهذا التحسن بمقدار نحو ٢% لم يكن مكافئاً لارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الجامعي والتي شهدت قفزة كبيرة خلال نفس الفترة ارتفاعها أكثر من ١٠% كنتيجة لافتتاح عدد من الجامعات الخاصة وصلت لخمس عشرة جامعة إلى جانب التوسع بالجامعات الحكومية وفروعها بعدد من المحافظات.. ما يشير بشكل أو بآخر إلى أن هناك معدلات هجرة كبيرة للسكان من حملة شهادات التعليم العالي، كالعلوم الأساسية وخاصة الطب البشري والعلوم الهندسية من كافة الاختصاصات ولاسيما المعلوماتية وعدم تحفيز سوق العمل لهذه الفئة بالانضواء ضمن قوة العمل سواء المشتغلة أو المتعطلة.
نسبة قوة العمل
واللافت أنه خلال فترة الحرب ارتفعت نسبة قوة العمل جامعية التأهيل بصورة كبيرة وصلت إلى نحو ١٣،٦ من إجمالي قوة العمل عام ٢٠١٩ وهذا يدل على أمرين هما :ظهور نتائج ارتفاع الالتحاق بالتعليم الجامعي ما نجم عنه ارتفاع في أعداد الخريجين، والثاني أن هجرة السكان ممن تجاوزوا سن ال٢٤ غير الحاصلين على التعليم الجامعي.
فيما ارتفعت نسبة قوة العمل متوسطة التعليم من ٦،٥% إلى ١١،٤% بين عامي ٢٠٠١-٢٠١١ نتيجة لازدياد عدد المعاهد المتوسطة وارتفاع معدلات الالتحاق بها.
كما شهدت نسبة قوة العمل الحاصلة على شهادات التعليم الثانوى بأنواعها المختلفة ارتفاعاً من ٧،٩% إلى ١٢% خلال نفس الفترة وهذا التحسن ناجم عن ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الثانوي لاسيما السنوي والعام منه.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة هنا إلى أن التعليم المهني والتقني شهدت معدلات الالتحاق فيه ثابتاً نسبياً خلال نفس الفترة، وانخفاض نسبة قوة العمل متوسطة التعليم إلى نحو ٩،٦% عام ٢٠١٩ باعتبار هذه الفئة من الفئات التي تضررت بفقدان أعمالها أكثر من غيرها إذ معظمها يعمل بالقطاع الخاص، ما يدل على أن نسبة هامة من العمالة الفنية قد هاجرت خارج سورية بالإضافة إلى الأثر المتوقع لانخفاض معدلات الالتحاق في التعليم المهني والفني في السنوات السابقة، والتراجع عن استراتيجية رفع نسبة الملتحقين بالتعليم المهني وخاصة الصناعي من مجموع خريجي التعليم الأساسي.
الطابع التقليدي
وأشارت معطيات تقرير السكان بهذا الجانب إلى أن التركيبة التعليمية للمشتغلين لم تكن بعيدة أو مختلفة كثيراً عن التركيبة التعليمية لقوة العمل، وهو دليل على استمرار الطابع التقليدي منخفض التقنية والقيم المضافة للاقتصاد، ومن هنا يتضح ضعف تحفيز السوق للتحصيل العلمي والتدريبي والذي يعود إلى عاملين:
يتمثل الأول في ضعف مستوى تطور بنى الإنتاج في الاقتصاد الوطني واستمرارية هيمنة البنى التقليدية فيها حيث يمثل انسجام عرض قوة العمل معها ركوداً تعليمياً وثقافياً، وبالتالي ليس النظام التعليمي هنا المطالب وحده بتوفيق مخرجاتها مع الطلب في سوق العمل، بل المطلوب من السياسات الاقتصادية تحفيز القطاع الخاص لتطوير بناء الإنتاجية وهياكله التنظيمية لاكتساب قدرات إنتاجية وتنافسية أكثر.
أما الثاني.. يتمثل لمواكبة التطور الحاصل على مستوى الثورة العلمية والتقنية العالمية وتطوير الفروع التعليمية والمناهج بما يتناسب والتقدم المتحقق على صعيد الإنتاج والإدارة.
وهنا تشابه تطور التركيبة التعليمية للمشتغلين مع تطور البنية التعليمية لقوة العمل، حيث انخفضت نسبة المشتغلين من حملة التعليم الإعدادي فما دونهم ٧٨،٨% إلى٦٧،٥% بين عامي ٢٠٠١- ٢٠١١.
في حين ارتفعت نسبة المشتغلين من حملة التعليم العالي من ٦،٢% إلى ١٠،٣% خلال الفترة نفسها.
كما ارتفعت نسبة حملة الثانوية من ٨،١% إلى ١٠،٩، وحملة المعاهد المتوسطة من ٦،٩% إلى ١١،٣%، وقد لعب هذا التركيب دوراً في عدم التوافق بين فرص العمل والعرض من قوة العمل.
أيضا لعب دوراً في ارتفاع نسبة العاملين في القطاع غير المنظم الذي ترتفع فيه حملة الشهادات التعليمية دون الإعدادية لاعتماده على العمالة ضعيفة التأهيل، المنخفضة الأجر، وبعيدة عن شروط العمل اللائق.