التقنيات الذكية في خدمة التعليم الشامل

الثورة – مها دياب:

في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، لم يعد التعليم حكراً على القاعات الدراسية أو الكتب الورقية، لقد دخلنا عصراً جديداً تتصدر فيه التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي مشهد التعليم العالمي، لتعيد تعريف مفاهيم التعلم، وتفتح آفاقاً واسعة أمام المجتمعات التي تعاني من التهميش أو النزاعات.. وفيما يحتفل العالم باليوم العالمي لمحو الأمية، تبرز الحاجة إلى أدوات تعليمية أكثر مرونة وابتكاراً، قادرة على الوصول إلى كل فرد، مهما كانت ظروفه.

وفي ظل هذه التحولات، يصبح الذكاء الاصطناعي أداة محورية في مكافحة الأمية، ليس فقط بمعناها التقليدي، بل أيضاً في تمكين الأفراد من التعامل مع العالم الرقمي، وفهم أدواته، والمشاركة فيه بفعالية.

وفي سوريا، إذ تتداخل التحديات التعليمية مع الأزمات الإنسانية، تبرز هذه التقنيات كفرصة حقيقية لإعادة بناء الإنسان، وتوفير تعليم شامل وعادل، يصل إلى من حُرموا منه لسنوات طويلة، وهنا تبدأ الحكاية من صوت خبير يؤمن بأن التكنولوجيا ليست رفاهية، بل ضرورة إنسانية.

أداة لمحو الأمية

معلم ومدرب في الذكاء الاصطناعي الأستاذ عمار عرقسوسي، قال: إن موضوع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون نقطة تحول في مواجهة الأمية، خاصة في المجتمعات التي تعاني من فجوات تعليمية عميقة، موضحاً أن هذه التقنيات تتيح تخصيص المحتوى التعليمي لكل طالب، ما يساعد على تجاوز العقبات الفردية، ويمنح المتعلم فرصة للنمو وفقاً لقدراته الخاصة.

وأشار في حديثه لـ”الثورة” إلى أن أدوات مثل التعلم التكيفي تتيح للأنظمة الذكية تحليل أداء الطالب وتقديم محتوى مخصص بناءً على تقدمه، ما يعزز من فعالية العملية التعليمية، ويقلل من الفاقد التعليمي الناتج عن النزاعات أو الانقطاعات الدراسية.

وأكد عرقسوسي أن التعليم عن بعد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يمثل فرصة ذهبية للمناطق التي تعاني من غياب البنية التعليمية، كما هو الحال في العديد من المناطق السورية، مضيفاً: إن المنصات التفاعلية تتيح للطلاب متابعة دراستهم من دون الحاجة إلى وجود معلم دائم، ما يسهم في رفع معدلات محو الأمية، ويمنح الأطفال فرصة للتعلم رغم الظروف القاسية.

وأشار إلى أن هذه المنصات يمكن أن تعمل حتى في بيئات ذات اتصال محدود، من خلال تحميل المحتوى مسبقاً أو استخدام تطبيقات خفيفة، ما يجعلها مناسبة للمخيمات والمناطق النائية.

المعلم البديل

وأوضح أن التطبيقات الذكية يمكن أن تلعب دور المعلم البديل في المخيمات والمناطق التي تفتقر إلى الكوادر التعليمية، مبيناً أن أدوات التفاعل الصوتي والتدريب التكيفي تتيح للأطفال تعلم القراءة والكتابة بطريقة مبسطة، من دون الحاجة إلى اتصال دائم بالإنترنت، ما يجعلها مناسبة للبيئات ذات الموارد المحدودة.

وأضاف: إن هذه الأدوات لا تقتصر على تقديم المعلومات، بل تخلق تجربة تعليمية تفاعلية، تحفز الطفل على الاستمرار، وتمنحه شعوراً بالإنجاز، وهو ما يفتقده الكثير من الأطفال في بيئات النزاع.

وعبّر عرقسوسي عن أهمية تأهيل المعلمين السوريين باستخدام منصات تدريبية تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، لافتاً إلى أن هذه المنصات تتيح للمعلمين اكتساب مهارات حديثة، وتعلم أساليب تدريس رقمية، ما يساعدهم على مواكبة التطورات وتقديم تعليم أكثر فاعلية للطلاب في ظل الظروف الصعبة.

وأشار إلى أن المعلم هو حجر الأساس في العملية التعليمية، وأن تمكينه من أدوات التكنولوجيا الحديثة ينعكس مباشرة على جودة التعليم، ويمنحه القدرة على التعامل مع التحديات اليومية داخل الصفوف الافتراضية أو الواقعية.

أدوات تعليمية مجانية

وأكد عرقسوسي أن هناك العديد من المنصات التعليمية المجانية مثل أكاديمية خان، دولينغو، وفصل جوجل، توفر محتوى تعليمياً متنوعاً يمكن تكييفه مع احتياجات الطلاب السوريين، موضحاً أن هذه الأدوات لا تحتاج إلى تجهيزات متقدمة، بل يمكن استخدامها عبر الهواتف الذكية، مما يجعلها مثالية للمناطق التي تفتقر إلى البنية التحتية.

وأوضح أن المعلمين يمكنهم استخدام هذه المنصات لتقديم دروس في الرياضيات والعلوم واللغات، مع إمكانية تتبع تقدم الطلاب، مما يعزز من التفاعل ويقلل من الفجوات التعليمية.

وبين أن الذكاء الاصطناعي يتيح للمعلمين أدوات تحليل دقيقة تساعدهم في فهم أداء الطلاب وتحديد نقاط القوة والضعف، وأن هذه الأنظمة تساهم في تعديل أساليب التدريس بما يتناسب مع احتياجات كل طالب، مما يعزز من جودة التعليم ويجعل العملية التعليمية أكثر عدالة وفعالية.

وأشار إلى أن هذه التقنيات تتيح للمعلم أن يكون أكثر قرباً من طلابه، حتى في بيئة رقمية، من خلال فهم سلوكهم التعليمي وتقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب.

عرقسوسي أوضح أنه رغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرها هذه الأدوات، إلا أن هناك تحديات حقيقية تواجه تطبيقها في سوريا، أبرزها ضعف البنية التحتية، ونقص التدريب، ومحدودية التمويل.

مؤكداً أن تجاوز هذه العقبات يتطلب تعاوناً بين الجهات المحلية والدولية، ورؤية واضحة لتوظيف التكنولوجيا في خدمة التعليم.

وأضاف: إن الحل لا يكمن فقط في توفير الأجهزة أو الاتصال، بل في بناء منظومة تعليمية رقمية متكاملة، تشمل تدريب المعلمين، تطوير المحتوى، وتوفير الدعم النفسي والتربوي للطلاب.

التعليم الرقمي ضرورة

في ختام حديثه لفت عرقسوسي إلى أنه في زمن تتسارع فيه التحولات، يصبح التعليم الرقمي ضرورة، والذكاء الاصطناعي، بما يملكه من قدرات، يمكن أن يكون جسراً حقيقياً نحو تعليم شامل ومستدام، خاصة في البيئات التي تعاني من التهميش والصراعات.

وسوريا اليوم بحاجة إلى أدوات ذكية، ولكنها أيضاً بحاجة إلى إرادة حقيقية، تؤمن أن بناء الإنسان يبدأ من الكلمة، ومن الحرف، ومن فرصة للتعلم.

وأكد أن محو الأمية لم يعد مجرد تعليم القراءة والكتابة، بل هو تمكين الإنسان من فهم العالم، والمشاركة فيه، وصناعة مستقبله. وكل خطوة في هذا الاتجاه، مهما كانت بسيطة، هي حجر أساس في بناء مجتمع أكثر عدالة، وأكثر قدرة على النهوض من تحت الركام.

إن الاستثمار في التعليم الرقمي ليس رفاهية، بل هو فعل مقاومة، وأداة لإعادة بناء الإنسان السوري، وتعزيز فرصه في عالم لا ينتظر المتأخرين، فليكن الذكاء الاصطناعي حليفاً في هذه المعركة، وليكن التعليم بوابة الأمل التي لا تغلق.

آخر الأخبار
"خان الحرير- موتكس".. قناة تسويقية للمنتج السوري " وطني اللاذقية".. صرح طبي ينبض بالحياة والعناية المستمرة هل أصبحت الاستقالة شكلاً من أشكال الاحتجاج الصامت؟ الريف ينهض بالنساء .. ودبس البندورة بداية الحكاية حلب .. نحو شوارع بلا مخالفات! الزراعة الحافظة.. مواسم مقاومة للجفاف في ريف حلب أياد من ذهب تحفظ الطين من النسيان المرأة السورية.. شريك فاعل في التغيير السياسي والاجتماعي الأطراف الصناعية .. بين الأمل والنقص! الاقتصاد الريعي ينهار والإنتاجي ينتعش التخطيط الاقتصادي.. في مواجهة الأزمات الزراعة المائية.. ثورة زراعية بلا تربة تجهيز طابق للعيادات الشاملة بمحردة وتنفيذ شارع في طرطوس التهريب يزدهر.. هل تتحرك الجهات المعنية؟ العودة الى المدارس.. همٌّ يتجدد! القمة العربية الإسلامية الطارئة تنطلق في الدوحة اليوم بين الركام.. رفات تكشف صمت المفقودين الأمان القانوني والفرص المجزية مفاتيح جذب المستثمرين بطالة الشباب الجامعي.. تحدًّ يهدد الطاقات مدرسة زملكا للبنات.. خطوة نحو تعليم مستدام وبيئة محفزة