الثورة – زهور رمضان:
يبدو من الواضح مؤخراً أن الأطفال الصغار وصلوا إلى مرحلة من الوعي والإدراك العقلي أكبر من مستوى عمرهم الجسدي، ما يجعلك تقف مذهولاً من وهلة المشهد الذي تراه بشكل يومي تقريباً في أغلب المحافظات السورية.
ربما يكون ذلك نتيجة طبيعية أو تبريراً منطقياً لتردي الوضع المعيشي للمواطنين، وصعوبة تأمين الحاجات الأساسية للمنزل، أو لأسباب اقتصادية بات فيها الدولار هو الحجة التي يتذرع بها التجار ليتحكموا بمعيشة المواطن يومياً، ما دفع هؤلاء الأطفال للبحث عن فرص عمل تناسب أعمارهم بطريقة تساعدهم في سد ما تيسر من ضرورات الحياة الأساسية للأسرة.
طفلة طموحة
ومن أمثلة أولئك الصغار الذين وجدوا لأنفسهم فرصة عمل لعلها تكون عوناً للعائلة الطفلة الجميلة لجين التي نجحت إلى الصف السادس وهي أكبر إخوتها.
هذه الطفلة التي التقى معها صانع المحتوى المعروف زيدان الذي تفاجأ بأسلوبها وهدوئها وثقتها العالية بنفسها، فأطلق للعالم قصتها التي استقطبت تعاطف الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي والآلاف من المتابعين.
الكرامة لا تعرف عمراً
تقف الطفلة لجين من مدينة بانياس بمحافظة طرطوس، ساعات طويلة يومياً على الكورنيش البحري، ولكن ليس لمجرد التسلية واللهو، وإنما لبيع بعض المنتجات البسيطة التي تمكنها من مساعدة أسرتها، معبرة عن ذلك بكلمات بسيطة تحمل معها كل براءة الأطفال وطهارة قلوبهم ونقاوتها، مؤكدة أن الكرامة لا تعرف عمراً وأن الطموح يولد مع الإنسان، مبينة ذلك بكلمات رقيقة تجعلك تفهم معنى الطفولة الحقيقية.
فالأطفال اختصروا طفولتهم بمرحلة بسيطة وتجاوزوها بسرعة كبيرة ليصبحوا كباراً يحملون على عاتقهم هموماً من المفترض أن تكون بعيدة عن مستوى تفكيرهم، ولكنها أصبحت واقعاً مفروضاً عليهم، وهذا بدا واضحاً عندما قالت لجين: كيف لي ألا أساعد أهلي وأنا أرى غيري من الأطفال يساعدون أسرهم، فأنا مقتنعة أن العمل ليس عيباً، لكن العيب أن نمد يدنا بالسؤال للغير.. فحين أرى والدي يتعب كثيراً ويبذل كل ما بوسعه، تتملكني الرغبة بمساعدته، ولكن كيف أساعده؟ مع إصراره على عدم تقبل فكرة المساعدة أصلاً.
أمام هذا الواقع لم أقف متفرجة على وجع والدي، تقول لجين: بل أصريت على ذلك، وقلت: سوف أجرب العمل، مجرد تجربة لاشك أنها مفيدة لي، وفي حال لم أنجح أو لم تعجبني، أتركه على الفور، ما يضطره أن يسمح لي بالعمل.
وقالت: عمدت إلى عرض بعض الإكسسوارات على بسطة صغيرة، محاولة بيع أكبر كمية من الأساور والعقود المصنعة يدوياً من قبل الأم وإخوتها، وبفضل مساعدة أفراد الأسرة تطورت تجارتها، واستقدمت بعض المواد الغذائية المصنعة يدوياً كالبرغل، والكشك، والمربيات، وغيرها.
وهكذا حققت الطفلة لجين هدفها الأول وهو تخفيف بعض الأعباء الحياتية وجزء من تعب والدها اليومي.
قصة إلهام
قصة الطفلة لجين ألهمت الملايين من الصغار ليتمثلوا بها خاصة عندما ذكرت أن بعض الناس والمارة الذين يشفقون عليها يحاولون أن يقدموا لها المال، لكنها ترفض ذلك ببراءة وطفولة عفوية، وتقول: “أنا ماني شحادة”، أنا أبيع لأحصل على المال حتى أكبر وأحقق حلمي أن أصبح محامية كي أدافع عن المظلومين من أبناء بلدي.
لجين أكدت أن الطموح يبدأ بخطوة ولا حدود للأحلام، وأن النجاح الذي يولد من رحم المعاناة ربما يبدأ بخطوة يقدم عليها الإنسان بثقة وهمة عالية.
العمل عز وكرامة
أما سارة التي تشتري منها دائماً مادة” البرغل” فتشعر بالحزن عليها بسبب الحر والبرد، وغدر الطرقات، وتتمنى أن تكون في بيتها ومدرستها فقط تتابع واجباتها المدرسية، لأن لجين تمثل حالة التفاني في العمل والنشاط فكيف ستكون النتيجة لو كرست هذه الطفلة جهدها هذا في التحصيل الدراسي.
فيما ترى كاترين أن لجين تساعد أهلها وتعينهم على تأمين لقمة العيش، وستر ماء الوجه من ذل السؤال والحاجة للآخرين، مبينة أنها اشترت منها مرة وتصورت معها، ومن وقتها أخذت قراراً ألا تنزع من يدها السوار الذي اشتره من لجين، مؤكدة أن العمل ليس عيباً بل عز وكرامة، لافتة إلى أن تصرف الطفلة لجين يؤكد أن العزيمة أكبر من العمر والطموح وهو يولد من أبسط الأشياء، ولا حدود للأحلام في الحياة، فالحلم والطموح هما الدافع الأساسي للتقدم والوصول إلى النجاح.
