من صناع الجلاء.. إبراهيم هنانو

الملحق الثقافي- سلام الفاضل:               

ولد إبراهيم هنانو في بلد «كفر تخاريم» غربي مدينة حلب نشأ في أسرة غنية، حيث كان والده سليمان آغا أحد أكبر أثرياء مدينة حلب، ووالدته كريمة الحاج علي الصرما من أعيان كفر تخاريم، أتم الدراسة الابتدائية في كفر تخاريم، ثم انتقل إلى حلب حيث أتم دراسته الثانوية، قام إبراهيم بأخذ أربعة آلاف ليرة ذهبية من والده دون علمه ليدرس بالجامعة السلطانية في الآستانة، حيث كان والده يرفض سفره إلى الآستانة، وعاد إلى أهله بعد أربعة سنين ثم غادر مرة ثانية إلى إستانبول لينهي دراسة الحقوق بعد ثلاث سنين أخرى.
بعد إنهاء دراسته عين مديراً للناحية في ضواحي إستانبول لمدة ثلاث سنوات، حيث تزوج، بعد انقضاء هذه المدة تم تعينه قائم مقام بنواحي أرضروم ليبقي فيها أربع سنوات، ثم ليتم تعينه بعدها قاضي تحقيق في كفر تخاريم، حيث بقي فيها ما يقارب الثلاث سنوات.
انتخب عضواً في مجلس إدارة حلب لمدة أربع سنوات، و عين بعدها رئيساً لديوان الولاية لمدة سنتين وذلك عند رشيد طليع والي حلب، والذي شجعه على الثورة في الشمال بالتنسيق مع الملك فيصل، وتم انتخابه ممثلاً لمدينة حلب في المؤتمر السوري الأول في دمشق في دورة (1919 – 1920)
مقاومة الاحتلال
تم عقد اجتماع في منزل قائم مقام إدلب عمر زكي الأفيوني نهاية عام 1919 برئاسة هنانو، ضم الاجتماع كبار ووجهاء إدلب والمناطق المجاورة لها، وعدداً من الوطنيين من أنطاكيا والحفة واللاذقية، لتنظيم شؤون الثورة، وتم الاتفاق على اختيار هنانو لتأليف قوات عربية على شكل عصابات من المجاهدين لمشاغلة الفرنسيين الذين احتلوا مدينة أنطاكية
قام هنانو بجمع أثاث بيته وأحرقه معلناً بداية الثورة وقال جملته المشهورة: «لا أريد أثاثاً في بلد مستعمر»، وكان أول صدام مسلح بين الثوار والقوات الفرنسية في 23 تشرين الأول 1919، حيث استمر القتال لقرابة السبع ساعات، وأقام هنانو محكمة للثورة لكل من يتعامل مع فرنسا أو يسيء للثورة.
قامت فرق المجاهدين التابعة له، بإزعاج الفرنسيين محققة نجاحات ضخمة، فذاع صيت هنانو وكثر مريديه-.
قام الأمير فيصل بالتوقيع على معاهدة الانتداب مع فرنسا في عام 1920، الأمر الذي رفضه السوريون، حيث تصادم مع عبد الرحمن الشهبندر قائلاً أنا من سلالة النبي، فرد الشهبندر: وأنا ابن هذا البلد، وأرفض كل وصاية، وأطالب بتشكيل حكومة قومية ثورية.
أصبح وضعه بعد فترة صعباً بسبب حاجته الماسة للسلاح والعتاد، فقد كان الضغط الفرنسي كبيراً، فاضطر إلى الاستعانة بأصدقائه في تركيا لطلب العون، مما أمن له سلاحاً وذخيرة كانت كافية لإلحاق أضرار فادحة بالفرنسيين في جميع المواجهات، سواء من ناحية الأفراد أو العتاد، ويبلغ عدد المواجهات بين الطرفين الآتي قادها بنفسه سبعاً وعشرين معركة، بل أنه في معركة مزرعة السيجري، استطاع أسر جنود فرنسيين، وقام باسترداد مناطق واسعة من السيطرة الفرنسية منها منطقته التي ولد بها كفر تخاريم.
قام الفرنسيون على إثر ذلك بدخول دمشق ومن ثم حلب لقمع الثورة، ولجأ هنانو وقواته إلى جبل الزاوية، ضمن المنطقة المحصورة بين حماة وحلب وإدلب، فقام الكثير بالانضمام إليه هنالك مما سمح له بإنشاء قاعدة عسكرية ولتصبح المنطقة مقراً له. أطلق عليه أتباعه لقب المتوكل على الله بسبب قوله توكلنا على الله كلما ذهب مع قواته للإغارة على الفرنسيين.
قام بعدها بنقل منطقة قيادته إلى جبل الأربعين وازداد عدد أتباعه بسرعة بعد انتصاراته على الفرنسيين، فقام هنانو بإعلان دولة حلب وإقامة حكومة مستقلة بإدارته، على إثر ذلك بدأت مفاوضات بينه وبين الفرنسيين ممثلة بكل من الكولونيل فوان والجنرال غوبو، واشترط هنانو للبدء بالمفاوضات إيقاف تحرك القوات الفرنسية.
اتصالاته مع لينين
جاء في كتاب يوسف إبراهيم يزبك في كتابه أول نوار ـ ذكريات وتاريخ نصوص: «أخبرني الزعيم إبراهيم هنانو في إحدى الليالي اصطيافه في حمدون أن لينين أوفد إليه ضابطاً من القفقاس عرف هنانو قبل بضع سنوات وعمل معه في خدمة الحكومة العثمانية في ولاية حلب، وكان الضابط يحمل رسالة مكتوبة بالتركية يعرض فيها مساعدة الثورة السورية التي حمل سلاحها إبراهيم هنانو وإخوانه فلاحو جبل سمعان على الاحتلال الفرنسي بعد نكبة ميسلون، وسالت الزعيم هنانو عن مصير الرسالة، فأجاب أبو طارق رحمه الله: « إنها عدة رسائل وليست واحدة، تبودلت بيني وبين بطل البولشفيك لأجل إشعال نيران الثورات على الفرنسيين والإنجليز في تركية وسورية والعراق وفلسطين ومصر، وكان لينين مخلصاً فيما عرضه علي.
قام غورو بتقديم إنذار تضمن عدة شروط منها: تسليم خط رياق، حلب، وحل الجيش السوري، وقبول الانتداب الفرنسي، كما اشترط قبول العملة الورقية الفرنسية، وطالب بتغير الحكومة، فقام الملك فيصل بقبول الإنذار، وأرسل برقية لغورو يعلمه بذلك، إلا أن العسكريين رفضوا الإنذار، وقام يوسف العظمة بتقسم سوريا إلى عدة جبهات للتحضير لقتال الفرنسيين، قام بعد ذلك الملك فيصل بتكليف ياسين الهاشمي بتشكيل حكومة جديدة، مما أدى إلى خروج السكان في مظاهرات ومهاجمة القلعة (مقر الملك) مطالبين بتسليحهم، لكن الحرس الملكي يقتل منهم ما يقارب الـ 200 شخص، ولينسحب يوسف العظمة من المؤتمر الوطني.
حكم على هنانو أربع أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، ومع سيطرة الفرنسيين على الطرق، ونقص الدعم العسكري لهنانو، اضطر في يوليو 1921 إلى مغادرة معاقله إلى الجنوب حيث حاول التفاوض مع الشريف عبد الله، في الطريق إلى شرق الأردن تعرض لكمين قرب جبل الشعر بالقرب من حماة في 16 تموز1921م، في معركة مكسر الحصان حيث فقد معظم من كان معه، واستطاع هو النجاة بنفسه.
تطلعات هنانو السياسية لم تكن ملائمة للشريف عبد الله ولم يتم اللقاء بينهما، فأكمل هنانو طريقه إلى القدس حيث قبض عليه الإنجليز في 13 آب 1921م وسلموه إلى الفرنسيين.
محاكمة هنانو
وبعد القبض على هنانو قدم إلى محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية بتهمة الإخلال بالأمن والقيام بأعمال إجرامية، وعقدت المحاكمة أول جلساتها في (16 رجب 1340 هـ = 15 آذار 1922 م) في ظل إجراءات أمن مشددة، وترافع فتح الله الصقال أبرز محامي حلب للدافع عن هنانو، حيث أظهر أن التهمة باطلة كون هنانو خصماً سياسياً وليس مجرماً، بدليل أن الفرنسيين قبلوا بالتفاوض معه مرتين ووقعوا معه هدنة.
في 25 آذار 1922م طالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدامه قائلا « لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعاً».
كان هنانو أحد أعضاء الكتلة الوطنية، وتولى زعامة الحركة الوطنية في الشمال السوري، في عام 1928 تم تعينه رئيساً للجنة الدستور في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور السوري، إلا أن المفوض السامي الفرنسي سعى إلى تعطيل الجمعية التأسيسية والدستور مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بتنفيذ بنود الدستور، وفي عام 1932 وفي مؤتمر الكتلة الوطنية انتخب إبراهيم هنانو زعيماً للكتلة الوطنية، وفي عام 1933 لعب دوراً في استقالة حكومة حقي العظم، بسبب نيتها الموافقة على المعاهدة الفرنسية.
محاولة اغتياله
في أيلول 1933م قام شخص يدعى نيازي الكوسى، بإطلاق النار على هنانو في أثناء وجوده في قريته إلا أن الرصاص أصاب قدمه، وتم القبض على الكوسى في أنطاكية، وحكم بالسجن عشر سنوات، إلا أن المفوض السامي الفرنسي أصدر عفواً خاصاً بحق الكوسى مما دفع الجميع للاعتقاد بعلاقة الفرنسيين بحادثة الاغتيال.
وفاته
بسبب تحركاته الكثيرة بين الجبال بدون ملجأ أو حماية من الجو أصيب هنانو بالسل، وأصبح مرضه مزمناً، وتوفي بسببه في يوم الخميس الموافق 21 تشرين الثاني 1935م، وصلي عليه في الجامع الأموي في حلب.
 

العدد 1141 –  18-4-2023  

آخر الأخبار
مياه الشرب" طاقة شمسية وأعمال صيانة وتأهيل للخدمات في الريف  52 ألفاً حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة منذ بدء العدوان حملة لقاح الأطفال في درعا مستمرة درعا.. مصادرة أسلحة وأكبال مسروقة في اللجاة "صرافة درعا": لا نستطيع تغطية رواتب جميع الموظفين عبر شام كاش شعبان: رفع العلم السوري في نيويورك رسالة وطنية بامتياز بخدمات متواضعة... 350 عائلة تعود لمنازلها في عين الفيجة وسط تخوف من تلوث مياه النبع  دورة تدريبية لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع للعام العاشر على التوالي الإنفاق العسكري العالمي يسجل أعلى مستوياته... وأمريكا وروسيا والصين تتصدر ق... حملة توعوية للحد من حرائق الغابات تمديد التقديم لمفاضلة الدراسات العليا الصحة: تبحث تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطنين مع الجانب التركي خبير مصرفي يدعو للتريث بحذف الأصفار من العملة لحين وجود استقرار اقتصادي 772 ألف طن تقديرات موسم القمح هذا العام إبراهيم لـ"الثورة": توقعات القمح في السنوات القادمة مبشرة لك... إيران تحبط هجوماً إلكترونياً ونتنياهو يهدد بتدمير قدراتها النووية عون: لجان لبنانية- سورية لمعالجة قضايا عالقة خبير: "مصطلح"المستشار التنفيذي" جديد..ديروان لـ"الثورة": سنستقطب المستثمرين من كل حدب وصوب أردوغان: سوريا ماضية نحو التعافي رغم الصعوبات ArabNews : محكمة العدل الدولية تبدأ جلسات استماع لمساءلة إسرائيل إعلام إسرائيلي: "الهولوكوست" سترة واقية لتبرير جرائم الإبادة الجماعية