الجذور التاريخية للقومية العربية

الملحق الثقافي-علي حبيب:             

يشكل كتاب عبد العزيز الدوري الجذور التاريخية للقومية العربية مرجعاً مهماً لا غنى عنه لأي باحث في الفكر القومي العربي ويعالج هذا الكتاب المسار التاريخي للقومية في البلاد العربية، ويُعرض الفكرة من فترة بدايتها إلى الوقت الحاضر.
ودار موضوع الكتاب في محورين:
أولاً: تأكيد الذات والاعتزاز بها إذ يقول عبد العزيز الدوري إن أوليات الوعي العربي كانت مُبهمة وفوضوية في بدايتها، وعزا ذلك للوضع السياسي والاجتماعي التي عاشته الجزيرة العربية قبل الإسلام، ومع مجيء الإسلام أصبـح الديـن المرجع الأساس في إيقاظ الوعي، إذْ تطورت نظرة العرب من عبادة الآلهة (فردية) للقبائل إلى آلهة أعـم وأشمـل، والاشتراك في العبادة في بيئة موحدة. وهذا التوحيد لا يتصل بالمسيحية التي دعمتها السياسة البيزنطية آنذاك، ولا إلى اليهودية التي كانت تتمتع ببعـض الحمايـة الساسانية، بل اتجهت عقيدتهم إلى الأعلى والأسمى إلى «الله»، فقد عمل الإسلام على إيـقاظ الوعي العربي، وتوحيد الكلمة والقيادة… وتشكلت حركـة عربية في بيئتها وفي لغتها وفي رسالتها، وهي تنشد الوحدة السياسية، وتنكر الانقسام والتجزئة، وترفض التبعية، وهي تتجه إلى تكوين قِيم ومُثل مُوحـدة، وتتخذ وجهة مَدنية في الحياة اليومية. تلت هذه المرحلـة فتوحات إسلامية جابت الأسفار والأمصار، ونشرت السيادة للعرب والمسلمين، وفُتِحَت أبواب من المعمورة، ولم تتوقد شعلة العلوم والمـعرفة إلاّ بعد إرساء دعائم الدولة (خاصة في بداية العصر العباسي) حيث اشتغل العرب في تأكيد ذاتهم بظهور الدراسات والبحوث العربية، وحركة التدوين والتأليف والتصنيف، لغوية وتاريخية وتجريبية، وبرزت الدراسات الإسلامية المتخصصة كدراسة القرآن والحديث جنب الدراسات الفقهية. فنشأت المدارس الفقهية الأولى ومهدت لظهور المذاهب الفقهية الأخرى فيما بعد2… وقد صـارت هذه المـدارس قاعدة الثقافة العربـية وأساس تكوينها.
يقول الكاتب مستدركاً السّرد التاريخي للقومية العربية «لن يفيدنا أن نمجد هذه الحضارة ولكننا نريد معرفة الجذور، وإذا كانت الحضارة العربية قد ازدهرت، فذلك بسبب التحرر الفكري وسعة الأفق والجرأة العلميـة، وبسبب البحث عن الحقيقة واحترام آراء الغير واجتهادهم مهما اختلفوا… ولـذا ركد الـعرب حين مالوا إلى التقليد وحين تضاءل نطاق الحرية الفكرية « (ص. 21).
إن الوعي العربي استند إلى أسس ثقافية بالدرجة الأولى، وإنه اتخذ وجهة إنسانية في مراحل تطوره وإن هذا التطور كَون له جذوراً راسخة هي بذاتها الأسس الاجتماعية والثقافيـة للقوميـة العربـية.
ثانياً: ظهر الوعي القومي في القرن التاسع عشر، وقد مهدت له مُحاولات نشر التعليم وبث الثقافة وخاصـة في لبنان وسورية ومصر، وكانت من آثاره بداية الغزو الغربي التي بدأت بحملة نابليون 1798م، والإرساليات الأجنبيـة في القسم الثاني منه، وتغلغل الأفكار والعادات الغربية. وتمثل هذا الوعي في الاهتمام باللغة العربية واعتبارها أحد مقومات العروبة، ونجد أن النشاط الثقافي الذي قامت به الجمعيات الأولى التي تأسست في البلاد العربية كـ «الجمعية العلمية السورية التي تأسست في بيروت سنة 1857م، والحلقة الثقافيـة التي تكونت بدمشق في أواخر القرن التاسع عشر حول الشيخ طاهر الجزائري، ثم الحلقة الثقافية الصغيرة بدمشق التي تبلورت في سنة 1903م بجمعية سرية وأثمرت في جمعية النهضة العربية سنة 1906» (ص. 50) كان لها بعد سياسي كذلك. وكان لاحتكاك الثقافي مع الغرب في الأول الأمر، ثم اصطدام العرب الاستعمار لاحقاً أثر في تجليـة الجذور التاريخية للقومية العربية وتماسكها وترصين مفاهيمها. فقد رَحب العربُ بمفاهيم الحرية، وحرِصوا على الأخذ بما يُمكنهم من تحسين أمورهم المعيشية والاقتصادية، إلا أنهم لم يكونوا مستعدين للتخـلي عن تراثهم أو إنكار ذاتهم، فاشتد حرصهم على تأكيد الذات؛ يلخص ذلك المويلحي عندما يقول «السبب الصحيح في ذلـك هو دخول المدنية الغربية بغتة في البلاد الشرقية، وتقليد الشرقيين للغربيين في جميع أحوالهم ومعايشهـم، لا يستنيرون ببحث ولا يأخذون بقياس، ولا يتبصرون بحسن نظر ولا يلتفتون إلى ما هنالك من تنافر الطباع وتباين الأذواق واختلاف الأقاليم والعادات، ولم ينتقوا منها الصحيح من القبيح، بل يأخذوها قضية مسلم بها، وظنوا أن فيها السـعادة والهناء، وتوهموا أن يكونوا لهم القوة والغلبة، وتركوا لذلك جميع ما كان لديهم من الأصول القديمة والعادات السليمة والآداب الطاهـرة، ونبذوا ما كان عليه أسلافهم من الحق ظهرياً، فانهدم الأساس وهوت الأركـان وانقطعت فيهم الأسباب فأصبحوا في الظلام يهيمون».
وفي النهاية، ليست فكرة القومية فكرة طارئة أو مقتـبسة بل هي نتيجة تطور الوعي العـربي الذي تفجر ودام أكثر من أربعة عشر قرناً، يتمثل في حيـوية جديـدة تريد بعث الحياة في الأمة، وتريد كياناً خاصاً لها؛ وهذا ما يسعى إليه الوعي القومي الحديث الذي كانت بدايته في مطلع النهضة مع حركة المثقفين.   

العدد 1141 –  18-4-2023  

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص