الثورة – ترجمة هبه علي:
في أحدث خطوة ضمن تعديلات السياسة الأميركية تجاه دمشق، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية في 25 أغسطس/آب أنها ستزيل سوريا من قائمة العقوبات، مما يسمح للشركات الأميركية بإجراء أعمال تجارية هناك.
ودخل التغيير، الذي أصدره مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة، حيز التنفيذ في 26 أغسطس/آب، منهياً القيود التي فرضت لأول مرة في عام 2004 ثم اتسع نطاقها خلال الحرب في سوريا، مما أدى إلى تراجع سنوات من التدابير التي قطعت البلاد عن الأسواق الدولية.
وقال سمير صابونجي مسؤول السياسات ومدير الشؤون القانونية في المجلس السوري الأمريكي، لصحيفة عرب نيوز: “إن قرار تحديث لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لإزالة برنامج العقوبات على سوريا يضفي الطابع الرسمي على الأمر التنفيذي الصادر في 30 يونيو، وسيحفز الشركات على تعديل برامج الامتثال الخاصة بها”، مشيراً إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تشجع الشركات على إعادة النظر في سياساتها تجاه سوريا، واصفاً إياها بأنها “خطوة أخرى نحو إعادة دمج سوريا في الأسواق العالمية”.
ومع أن الحكومة الأميركية فعلت الكثير في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ، فإن الكثير الآن “يعتمد على الشركات الخاصة وكيفية اتخاذها قراراً بالاستفادة من الفرص الاقتصادية في سوريا، وكذلك على الحكومة السورية كيفية اختيارها لاستخدام هذه الفرص”.
وفي بيانها، قالت هيئة مراقبة الأصول الأجنبية: إنها قامت بإزالة لوائح العقوبات السورية من قانون اللوائح الفيدرالية نتيجة لانتهاء حالة الطوارئ الوطنية التي استندت إليها اللوائح والتغييرات الإضافية في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا”.
يأتي قرار وزارة الخزانة الأمريكية في أعقاب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب في 30 يونيو/حزيران، والذي أنهى برنامج العقوبات لإفساح المجال لإعادة الإعمار، ومع ذلك، لا يزال الغموض يكتنف الأمر، حيث وجه الأمر وزارة الخارجية “بدراسة تعليق فرض بعض أو كل العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر”، لكن لا يمكن للبيت الأبيض إلغاء هذه الإجراءات من جانب واحد، أو تمديدها لأكثر من 180 يوماً دون موافقة الكونغرس.
وقال فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، المحلل الرئيسي للعقوبات في شركة كرم شعار الاستشارية ومقرها نيوزيلندا، لصحيفة عرب نيوز: “كان قانون قيصر مصمماً في الأصل لاستهداف نظام الأسد أثناء وجوده في السلطة، والآن بعد زواله السلطة، فإنه لم يعد صالحاً، مضيفاً.. إن الإبقاء على القانون، حتى مع استثناء، “سيشير إلى تغيير في نهج إدارة ترامب الحالي، لأنه يتضمن شرط مراقبة لمدة عامين، وهذا من شأنه أن يؤجل انتهاء صلاحية قانون قيصر إلى عام 2028 على أقرب تقدير، مما يقيد سوريا فعلياً بثلاث سنوات أخرى على الأقل من العقوبات بغض النظر عن امتثالها”.
في 16 يوليو/تموز، وافقت لجنة الخدمات المالية بمجلس النواب على مشروع تعديل لقانون قيصر، يربط تخفيف العقوبات بشروط تتعلق بحماية المدنيين وحقوق الإنسان، وينص هذا الإجراء، المسمى قرار مجلس النواب رقم 4427، والذي قدمه النائب مايكل لولر، على تمديد الإعفاءات لمدة تصل إلى عامين، مع احتمال تأجيل التعليق الكامل حتى عام 2029.
يدعو التعديل أيضاً إلى تشديد الرقابة على البنك المركزي السوري، ومراجعة القيود المالية، وتقارير وزارة الخزانة بشأن تمويل الإرهاب وغسل الأموال. بعد حوالي أسبوع، أقرت اللجنة مشروع القانون، مما يسمح لترامب برفع العقوبات نهائياً بعد عامين في حال استوفت الحكومة السورية المؤقتة الشروط.
وقال لولر: “لا شك أن أمام إدارة الرئيس أحمد شرع الكثير من العمل لإعادة دمج سوريا مع الولايات المتحدة وحلفائنا”، مع ذلك، دعا النائب ويلسون إلى إلغاء قانون قيصر دون قيد أو شرط، معتبراً أنه يتوافق بشكل أفضل مع سياسة ترامب تجاه سوريا.
وحذر ماريسكا دي سيراكابريولا من أن مشروع القانون HR 4427 “يهدد بتمديد قانون قيصر على الرغم من الجهود العامة التي تبذلها إدارة ترامب لتخفيف العقوبات، وقال: “إن الحكم الأكثر أهمية في مشروع القانون هو أنه يريد إبقاء قانون قيصر ثابتاً في مكانه، ولن يقدم سوى مسار ضيق لتعليقه- فقط إذا استوفت سوريا تسعة شروط صارمة لمدة عامين متتاليين”، سيكون لذلك عواقب رمزية وعملية.
وأضاف: “لعل قانون قيصر هو العقوبة القانونية الأكثر تأثيراً على سوريا، إذ وسع نطاق فرض عقوبات ثانوية”.
“لذا فإن الإبقاء على العقوبات في مكانها من شأنه أن يشير إلى بعض التردد من جانب الإدارة الأميركية، وعلى نطاق أوسع، من جانب الكونغرس، في رفع العقوبات بالكامل عن سورياــ وهذا من شأنه أن يرسل إشارات سلبية إلى المستثمرين (غير الأميركيين) بشأن استعادة الثقة.
وأعرب صابونجي، من المجلس السوري الأمريكي، عن هذا التفاؤل الحذر، قائلاً: “لا توجد عقوبات أو محظورات أو لوائح أخرى تمنع الشركات الأميركية من العمل في دمشق حالياً”.
وقال “إن ضوابط التصدير لا تزال تشكل عائقاً، لكنها عائق يمكن التغلب عليه، ونحن نعتقد أنه سيتم تخفيفها قريباً أيضاً”.
لكن بالنسبة للسوريين العاديين، يبدو التفاؤل بعيداً، بل وغير واقعي. حتى في العاصمة دمشق، لا يزال الناس يواجهون صعوبات، وانقطاعات طويلة للكهرباء، ونقصاً في إمدادات المياه، وارتفاعاً في معدلات الجريمة، وارتفاعاً حاداً في أسعار الخبز.
يعيش الآن ما يقرب من 90 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، غير قادرين على تحمل تكاليف الضروريات الأساسية مثل الغذاء، والرعاية الصحية، والمياه النظيفة، أو التعليم.
ويستمر التضخم وانخفاض قيمة العملة والقيود المفروضة على العمل المصرفي والمساعدات الخارجية في تآكل مستويات المعيشة، مما يؤكد الفجوة بين التحولات السياسية في الخارج والحقائق على الأرض.