الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
«اتركي شيئاً للمستقبل» حين كان يقول لها جملته الشهيرة ويعقبها بأخرى أقل وطأة لم تر شيئاً بعد من الحياة…!
كانت لا تعير كلامه أي انتباه، مضى الوقت طويلاً ، وكلما كانت تسمع كلام من مروا قبلها على الحياة، تنتفض معتقدة أن العمر لن يباغتها كما فعل بهم.
الظهور المحنية، والشعر الأبيض والسمع الثقيل، وكل علامات التقدم بالعمر، لطالما توقعتها مجرد إكسسوار، لا تدري ماذا يعتمل داخل الجسم…؟
اليوم بعد أن غدر بها الزمن، وهي في عيادة الانتظار، تشعر بخفقات قلبها تتسارع وقلبها يكاد يخرج من مكانه، رغم أن ألمها بسيط، إلا أنه الطبيب الخامس الذي تعرج على عيادته منذ أقل من أسبوعين…
حين سألتها الجالسة قبالتها: لماذا تفعلين هذا؟
أجابتها وهي عاجزة عن إخراج الكلمات بشكل مترابط، وتكاد تغيب عن وعيها، وأشارت إلى أمكنة الألم، لكن الجالسة مقابلتها فاجأتها حين أشارت إلى ابنتها التي لم تتجاوز عامها العشرين ترتدي «بيجامة» حمراء وتضع على أذنيها سماعات أذن، كأنها غائبة عن كل شيء حولها، اقتربت منا بعد أن استرعى انتباهها أن والدتها تتحدث عنها، بدت بوجهها الأصفر حائرة، غارقة في حزن يناسب امرأة ستينية.
التفت إلى كل الوجوه في تلك العيادة الكبيرة المتاخمة لشوارع جميلة، خارجها يعبر ناس لا يدرون بآلام من دخلوا هذه العيادة ولم يخرجوا منها إلا بعد أن دفعوا مبالغ تعد خيالية بالنسبة لدخلهم.
خرجوا كما دخلوا…!
لم يفقهوا أي شيئاً سوى أنهم يمسكون بمعدتهم من جراء «التنظير» ويضغطون على تلك اللصاقة الصغيرة التي سحبت منها ممرضة لطيفة بضع قطرات من الدم بعدها، تقول للمرء: لا تعاني من أي شيء…!
إنها مجرد آلام عصبية، من التوتر، من الجو، من البيئة المحيطة بك، وتطالبك ببعض الحمية،
وتتساءل وأنت تخرج من تلك العيادة الأنيقة إلى تقاطع الشوارع المزدحمة: ترى هل كانوا يعرفون النتيجة من البداية، وهل حقاً صحيحة…؟
العدد 1141 – 18-4-2023