الثورة – نيفين أحمد:
مع انطلاقة مرحلة جديدة في مسيرة سوريا عنوانها العمل والشفافية، يبرز “صندوق التنمية السوري” كأحد أهم الأدوات الاقتصادية والاجتماعية التي تعوّل عليها الحكومة في تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المتوازنة، فالصندوق جاء استجابة لحاجة وطنية مُلحّة تتمثل في إيجاد آلية قادرة على توجيه الجهود نحو خدمة الشرائح الأوسع من المجتمع، بعيداً عن المركزية التقليدية وبما يضمن وصول الدعم مباشرة إلى الفئات المستحقة.
أولوية للمهجّرين والنازحين
في هذا السياق أوضحت الخبيرة التنموية الدكتورة لبنى بشارة أن الأولوية الأولى لعمل الصندوق ينبغي أن تكون متمثلة في إعادة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية، فإعادة الاستقرار لهذه الأسر لا تقتصر على عودتهم فحسب، بل تشمل منحهم مبالغ لترميم منازلهم أو تنفيذ مشاريع إعادة إعمار جزئية للبنى التحتية الأساسية كالطرقات والمدارس بما يتيح للنازحين العائدين استعادة دورة حياتهم الطبيعية.
وترى أن هذه العودة تمثّل حجر الأساس في أي خطة تنموية، إذ تفتح الباب أمام إعادة التماسك الاجتماعي وإحياء عجلة الاقتصاد المحلي.
يعكس الصندوق فلسفة التنمية الشاملة من خلال برامجه المتنوعة التي تستهدف جميع شرائح المجتمع الأسر محدودة الدخل عبر مشاريع التمويل الصغير التي تمنحهم القدرة على إطلاق مشاريع إنتاجية صغيرة، ما يعزز دخلهم ويحدّ من اعتمادهم على المساعدات، وكذلك الشباب والخريجين من خلال برامج التدريب والتأهيل المهني التي تفتح لهم أبواب سوق العمل وتؤهلهم ليكونوا شركاء فاعلين في إعادة الإعمار.
وكذلك المرأة الريفية بدعم المشاريع الزراعية والصناعات المنزلية، بما يمنح النساء استقلالاً اقتصادياً ويعزز دورهن الاجتماعي، والقطاع التعليمي عبر ترميم المدارس وتوفير المنح الدراسية، تأكيداً على أن الاستثمار في الإنسان هو الطريق الأقصر نحو مستقبل مزدهر.
آلية شفافة وثقة متنامية
وبينت أن الصندوق يمتاز بآلية عمل شفافة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه وهو ما انعكس في ثقة المواطنين الذين بدؤوا يلمسون آثاراً ملموسة على حياتهم اليومية من توفير فرص عمل جديدة وتحسين مستوى المعيشة، إلى تعزيز الخدمات العامة في القرى والأرياف.
هذه الشفافية- بحسب بشارة- تتطلب أيضاً موازنة دقيقة بين التبرعات المحلية الشهرية والمشاريع طويلة الأمد، ففيما تُسهم التبرعات في تلبية الاحتياجات العاجلة لا يمكن للصندوق أن يعتمد عليها وحدها، إذ إن حجم الشرائح الهشّة المستفيدة يستلزم وجود شراكات دولية تمنح قروضاً كبيرة لتمويل المشاريع الكبرى وضمان استدامتها.
تشدد الخبيرة على أن نجاح الصندوق مرهون بالاعتماد على الكفاءات الوطنية التي تمتلك خبرة حقيقية بخصوصيات المجتمع السوري وثقافته المتنوعة. فهذه الكفاءات هي الأقدر على صياغة حلول عملية تناسب البيئات المحلية المختلفة.
ومع ذلك فإن الاستفادة من الخبرات الخارجية تبقى ممكنة، شرط أن تكون في إطار تقديم المشورة والأفكار، فيما تبقى آلية التنفيذ بيد الكفاءات السورية، إذ إن التكنولوجيا المتطورة وحدها لا تكفي إذا لم تُطبّق وفق ظروف الواقع المحلي، ومن هنا تنبع الحاجة إلى توافق وتكامل بين الخبرات الوطنية والدولية.
استدامة التمويل… ضرورة وطنية
التمويل الخارجي برأي د. بشارة ليس ترفاً بل ضرورة في مراحل الأزمات الكبرى مثل الحرائق أو الزلازل، حيث قد لا يكون التمويل المحلي كافياً. غير أن أي اتفاقية تمويل دولي يجب أن تخضع لشروط واضحة تراعي مصلحة الطرف السوري بالدرجة الأولى.
وتؤكد أن المطلوب في المرحلة الحالية ليس الاكتفاء بوصف ما ينجزه الصندوق الآن، بل وضع رؤية متكاملة لما ينبغي أن يكون عليه عمله في المستقبل، بما يضمن استمرارية التمويل والتوسع ويمكّنه من تحقيق أهدافه طويلة الأجل.
إلى جانب التعاون الدولي يعتمد الصندوق على شراكات مع القطاع الخاص والجمعيات الأهلية ما يخلق بيئة تكاملية تسهم في استدامة المشاريع وتوزيع التنمية بشكل أكثر عدالة. هذه الشراكات ليست مجرد موارد إضافية بل ضمانة حقيقية لاستمرار الجهود التنموية في مختلف المحافظات
الأثر الأبرز لعمل الصندوق كما أكدت د. بشارة يتمثل في تعزيز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها، فاليوم يرى السوريون أن الحكومة الشرعية الجديدة لا تكتفي بالوعود، بل تسعى بجدية إلى تحويلها إلى برامج ملموسة تمس حياتهم اليومية.
“صندوق التنمية السوري”.. ليس مجرد مؤسسة تمويلية، بل رافعة وطنية شاملة تعكس رؤية جديدة لسوريا، تقوم على العدالة والمشاركة، وتمكين الإنسان، ومع كل مشروع يموّله الصندوق تُخطّ خطوة إضافية على طريق بناء وطن أقوى أكثر عدلاً وأكثر ازدهاراً.