الثورة – علي إسماعيل:
في حروب السيطرة على البحار والممرات المائية لا مجال للاستكانة فإما أن تكون مؤثراً أو تذوب في زوابع القوى الكبرى، تركيا تعي تمامًا هذه المعادلة وتثبت قدرتها على المنافسة من خلال قفزة تكنولوجية غير مسبوقة، لتعلن عن مشروع حاملة طائرات وطنية، يعد الأكبر في البحر المتوسط، تتخطى من خلاله رمزية فرنسا البحرية المسماة “شارل ديغول”.
على لسان صحيفة لوفيغارو الفرنسية، وفي تقرير نشرته مؤخرًا، أكدت أن تركيا على وشك إحداث تحوّل استراتيجي في موازين القوة البحرية في البحر الأبيض المتوسط، عبر مشروعها الطموح لبناء أكبر حاملة طائرات في المنطقة، متجاوزة في الحجم والإزاحة حاملة الطائرات الفرنسية الشهيرة شارل ديغول وبحسب التقرير، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسميًا إطلاق مشروع “حاملة الطائرات الوطنية”، والتي ستشكل نقطة انطلاق تكنولوجية وصناعية في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، ليس فقط لكونها الأكبر في تاريخ البلاد، بل لأنها ستكون الأولى القادرة على حمل المقاتلات والمسيرات الشبحية محليّة الصنع.
من المتوقع أن يتم إنزال الحاملة إلى المياه بين عامي 2027 و2028، على أن تدخل الخدمة العسكرية الكاملة في عام 2030.
مواصفات الحاملة اذهلت الأوروبيين من حيث الطول الذي بلغ 285 متراً والعرض 72 متراً والإزاحة التي وصلت إلى أكثر من 60 ألف طن فيما حُددت القدرة التشغيلية حمولة نحو 50 مركبة جوية، بين طائرات مقاتلة ومسيرات هجومية، أما النقطة الأكثر قوة كانت في المدى البحري حيث تستطيع الإبحار ذهاباً وإياباً من تركيا إلى نيويورك دون الحاجة للتزود بالوقود.
المهندس البحري التركي “آيقوت دمير أزن” صرّح بأن التصميم الهيدروديناميكي المتقدّم لمقدمة الحاملة سيساهم في تقليل استهلاك الوقود بنسبة تصل إلى 1.5%، ما يضيف بُعدا اقتصاديا واستراتيجيا في آنٍ واحد.
اللافت في المشروع، أن الحاملة التركية لن تُصمم فقط وفق المعايير التقليدية، بل ستكون من البداية مجهزة لإقلاع وهبوط الطائرات المسيّرة القتالية من الجيل الجديد، مثل: المقاتلة المسيرة “قزل إلما” والمسيّرة الهجومية “العنقاء-3” وطائرة التدريب والقتال “حر جيت”، ومن المتوقع أن تكون أكثر من 80% من مكوناتها من الصناعة التركية المحلية، مما يعكس عمق التقدّم الصناعي العسكري الذي أحرزته أنقرة في السنوات الأخيرة.
تحليلات وتقارير إعلامية وسياسية أكدت أن تركيا بهذا المشروع ترسل رسالة واضحة للغرب والشرق على حد سواء أن أنقرة لم تعد مجرد لاعب إقليمي، بل قوة بحرية صاعدة على المستوى العالمي، وإذا سارت الأمور وفق الجدول الزمني المخطط، فإن تركيا ستنضم رسمياً إلى نادي الدول الخمس الكبرى القادرة على تصميم وبناء حاملات طائرات بهذا الحجم، إلى جانب الولايات المتحدة، روسيا، الصين، وفرنسا.
في وقت تُعيد فيه القوى العالمية رسم خرائط نفوذها، تدخل تركيا سباق تسليح البحار بواحدة من أكبر خطواتها العسكرية حتى الآن. مشروع حاملة الطائرات الوطنية ليس مجرد إنجاز تكنولوجيا صناعي عسكري فحسب، بل هو إعلان واضح بأن المتوسط سيشهد، قوة جديدة تفرض نفسها وترسم حدود نفوذها خارج حدود شواطئها.

السابق