ظافر أحمد أحمد:
أوقعت أوروبا نفسها في ورطة الاستغناء التدريجي عن النفط والغاز الروسيين، ولذلك برزت أهمية كبيرة للصين والهند وتركيا كزبائن يشكلون بديلا لشراء النفط الروسي، وهو أحد النتائج العكسية للعقوبات الغربية على روسيا.
ووفق خبراء في الاقتصاد فإنّه بإمكان تركيا التي باتت مدللة بالتسهيلات النفطية الروسية أن تكرر في مصافيها النفط الروسي وتبيع مشتقاته إلى السوق الأوروبية وفق الأسعار العالمية..، وهذا ما يفسّر قيام الشركات التركية بشراء الحد الأقصى من النفط الروسي خلال آذار الماضي بمعدل هو الأعلى منذ سبع سنوات، وهو ما أكدته وسائل إعلام روسية مشهورة.
ويمكن لأوروبة الإغراق في شاعريتها عندما تعلن توجهاتها من أجل استقلالها الطاقوي عن روسيا ولكنه ما من جدوى شاعرية عندما تدفع مليارات اليوروهات مقابل منتجات نفطية باهظة الثمن من الهند والشرق الأوسط، لتستعيض بها عن الوقود الروسي الرخيص.
ويركز قسم من الخبراء على دور الهند المتزايد في أسواق النفط العالمية، إذ بإمكانها شراء المزيد من النفط الروسي وتكريره لتحويله إلى وقود لأوروبا والولايات المتحدة أيضاً على أنّه وقود غير روسي، وتشير الأرقام إلى ارتفاع واضح حتى في صادرات مشتقات النفط من الهند إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الحصار الغربي على الطاقة الروسية الذي أنتج سلبياته الأكبر على أوروبا جعل الكباش يحتدم بين الولايات المتحدة وأوبك بلاس، فهمّ الولايات المتحدة منذ بداية الحرب الأوكرانية هو إغراق الأسواق النفطية لخفض الأسعار ولزيادة تمكين أوروبا من مواصلة الدعم الحربي لأوكرانيا، وسبق لواشنطن أن ضخت ثلث مخزونها الاستراتيجي النفطي في السوق النفطية لتحقيق غايتها ولكن أوبك بلاس تحرص على تخفيض نسبي في إنتاجها للمحافظة على أسعار تناسب دولها ولا تناسب المصلحة الأميركية.
وحتى في النظرة المستقبلية فإنّ التقارير الأميركية تتحدث عن زيادة ضخمة قادمة في إنتاج النفط الأميركي..، ولكن المصادر الأميركية ذاتها تؤكد بقاء سيطرة “أوبك بلس” على سوق النفط العالمية في الوقت الحالي، وبالتالي لا مؤشرات في الأفق القريب عن تراجع في أسعار الطاقة يخدم معركة أوروبا وأميركا ضد التضخم.
ومع تراجع هيمنة السياسة النفطية الأميركية على العالم فإنّ هذا يترافق بتراجع نسبي لهيمنة الدولار الأميركي، ومن محاسن الأخبار مؤخرا أنّ الأرجنتين أيضا أقرت دفع قيمة وارداتها من الصين باليوان بدلا من الدولار.
شتى التطورات في قطاع النفط تعني مخاضا اقتصاديا عالميا، يرتبط بالمغامرة الأوروبية للاستقلال عن الطاقة الروسية والمبالغة في التبعية للسياسة الأميركية وتوسيع الناتو الذي ينتظر منه – كما في أنموذج حرب العقوبات- نتائج عكسية أيضا، أهمها تعدد القطبية العالمية.