الثورة – عبد الحميد غانم:
مرة جديدة ينزلق الوضع السوداني في أتون حرب داخلية جديدة لا يعرف أحد مستقبلها أو التنبؤ بنتائجها، لكن يبدو أنها لن تخرج عن استهداف السودان من جديد في وحدة أرضه وتهديد كيان هذا البلد العربي الشقيق وإدخاله في دائرة الانقسام والتفتت التي وضع بذورها وعوامل نشوئها وقيامها الاستعمار البريطاني قبل خروجه من هذا البلد الشقيق؟ الذي كان يشكل قبل انقسامه إلى شمال وجنوب، سلة الغذاء العربية وتربة خصبة للزراعة والرعي وحاضنة كبيرة للثروات والمعادن النفيسة والثمينة، لكن رحى الحرب السابقة دمرت الكثير من بنيته وشتت قدراته المهدورة، وقسمته إلى شمال وجنوب.
واليوم يتعرض السودان من جديد، وهو مهدد بالتشتت والتقسيم مجدداً، ولا يعرف أحد حدود هذا التهديد أو النتائج التي قد تفسر عنها الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
يبدو أن أحداً لم يكن يتوقع أن تصل الخلافات بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”، إلى مواجهة مسلحة بدأت في 15 نيسان 2023، والتي أدت إلى سقوط المئات من القتلى من كلا الطرفين ومئات الجرحى، فضلاً عن مقتل العديد من المدنيين من السكان والجاليات العربية المقيمة في البلاد بسبب الفوضى والاشتباكات التي طالت العاصمة والمدن السودانية والصراع بين الطرفين للسيطرة على البلاد وفرض نفوذهما.
وفقًا لغالبية المحللين، فإن هذا الصدام قد يؤدي ليس فقط إلى حرب داخلية شاملة، ولكن أيضاً إلى تقسيم ثانٍ للسودان وانتشار الفوضى وعدم الاستقرار في جميع أنحاء السودان، إضافة إلى التخوف من انتقال عدوى الفوضى إلى دول عربية وإفريقية مجاورة للسودان.
ولفهم ما يحدث في السودان، لا يمكن فصله عما يجري في المنطقة والعالم، ويمكن ربط الأزمة الحالية بالأزمة السابقة للبلاد وبالأزمة العالمية التي عانى منها النظام السياسي السوداني منذ الاستقلال وحتى اليوم.
ولا بد من ملاحظة الدور السلبي الذي لعبته وتلعبه الحركات الانفصالية المسلحة، مثل تلك التي نجحت بالفعل في فصل جنوب السودان أو تلك الموجودة حالياً في دارفور وجنوب كردوفان والنيل الأزرق، وهذا يضاعف حجم الصعوبات الهائلة والعقبات التي تعوق قدرة السودان لقيام دولة مدنية حديثة قادرة على التخلص من آثار الاستعمار والاحتلال الأجنبي البريطاني الذي زرع بذور التفرقة والنزاع بين مكونات المجتمع والجغرافيا السودانية.
كما أن تشكيل حكومة بدون انتخابات هو ما أشعل فتيل الحرب التي تدمر السودان حاليًا والتي كان من الممكن تجنبها إذا كان البديل هو حكومة منتخبة.
أما على الصعيد العالمي، فإن تفجر صراع مسلح بهذا الحجم في بلد إستراتيجي غني بالثروات الباطنية والزراعية والموارد المائية، مثل السودان يشكل تهديداً على التوازنات الدولية وللوضع الدولي الذي يجري الهيمنة عليه من قبل الغرب والولايات المتحدة وحلفائها في إفريقيا، التي تحاول أن تقود الأزمة في اتجاه مصالحها.
ومهما كانت نتائج الأحداث في السودان، فالجميع يعلم أن أعداء المنطقة لن يتنفسوا الصعداء إلا بعد تدمير كل الدول التي تتكون منها لصالح الكيان الصهيوني، لذلك كانوا ولا يزالون، وسيظلون ضد شعوب المنطقة التي تأمل أن تحقق المصالحات فيها أهدافها.
وتتناوب العواصم الغربية وحلفاؤها الإقليميون على منع أي تقدم نحو الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.
بينما دول المنطقة تأمل ألا يؤدي تفجر الأوضاع في السودان إلى امتداد مخاطرها إلى محيط السودان، وتأمل أيضاً أن تشمل الانعكاسات الإيجابية في المنطقة وهو الأمر الذي لا يرضي الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من الدول العربية، التي لا تخفي عدم رضاها عن تعزيز دور الصين وروسيا في إفريقيا والعالم، مثلما لا تخفي قلقها بشأن الأدوار المشتركة لهاتين القوتين في الشرق الأوسط.
وهنا تبرز مخاطر الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين إلى السودان، ولقائه مع دوجولو والبرهان، ما يشير إلى الأهمية التي توليها واشنطن وحلفاؤها للوضع الاستراتيجي في السودان.
ولن يكون التدخل الأمريكي والتدخل الإسرائيلي في السودان، بشكل مباشر أو غير مباشر، السلاح الوحيد الذي يستخدم لمنع طريق الانفراج في منطقة الشرق الأوسط.
حرب السودان الجديدة تميل إلى تحويل أرض العرب الخصبة التي تغذي سلة خبزهم وتغذيهم في حفرة سوداء لأمنهم القومي، وهو ما يثير القلق العربي والإقليمي البالغ من التدخلات الخارجية في الشأن السوداني التي أخرت عملية الانتقال الديمقراطي، والسماح للشعب السوداني باختيار الحكم وفق إرادته بعيداً عن الوصاية ومخططات السيطرة على موارده.
منهل ابراهيم, [4/29/2023 1:21 PM]
إن من يقف خلف مخططات تفكيك وتدمير السودان من خلال إثارة نزاع وحرب جديدة عبر المواجهات العسكرية الواسعة فيه، هي فقط البداية، ويمكن أن يصل الصراع بين المتنافسين ومن يقف خلفهم من الخارج، من أطراف دولية، إلى حرب أهلية مدمرة، تكون نتيجتها إعادة تقسيم السودان إلى عدة دويلات، بعد أن تم تقسيمه عام 2011 إلى شمال وجنوب، والآن تدخل البلاد في دوامة عنف جديدة لتقسيم الشمال إلى كيانات أكثر تفكيكاً وتفتيتاً وتشرذماً، غير قادرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، لتستمر المأساة السودانية، ويستمر نزيف الدماء المهدرة، التي لم يعد لها حرمة بين المتصارعين في الداخل وداعميهم في الخارج، فالحرب أصبحت صراعاً على الجسد السوداني، أرضه وشعبه وثرواته ودماء أبنائه.
وأن هذه الحرب سوف تتواصل، إلى أن يحتكم المتحاربون لصوت الضمير والعقل، أو إلى حين يتمكن الشعب السوداني من الإمساك بزمام مقاديره وفرض إرادته. إن تسليم الحكم للمدنيين، وعودة الحياة السياسية، والمؤسسات التشريعية واحترام مبادئ الدستور، ورجوع جميع التشكيلات العسكرية إلى ثكناتها، هي التي تتكفل بوضع حد للصراعات بين القوى المتحاربة، وتعيد للسودان حريته وأمنه واستقراره.