يتداول العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية الجهود العربية لاستعادة سورية مقعدها في الجامعة العربية، وتكثر التحليلات والتقارير حول ما جرى بحثه في اجتماع جدة ولقاء وزيري خارجية السعودية وسورية في جدة وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق والاجتماع الذي عقد مؤخراً في العاصمة الأردنية عمان والزيارات الأخرى لوزير الخارجية السوري إلى الجزائر وتونس وسلطنة عمان.
تذهب بعض وسائل الإعلام إلى أقرب ربط لنجاح كل هذه الجهود بالموافقة الأميركية، وتستند في ذلك إلى الاتصالات التي يجريها بعض وزراء الخارجية العرب مع واشنطن وتبنيهم في أطروحاتهم للمطالب الأميركية فيما يخص الحل السياسي في سورية.
بموازاة ذلك أدلت وزارة الخارجية الأميركية بدلوها عبر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدان باتيل الذي صرح أن بلاده لن تطبع العلاقات مع سورية، كما أنها لا تدعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع دمشق، وفي الوقت ذاته يرى الكثيرون أن الإدارة الأميركية لديها أولويات أخرى ولن تعرقل الجهود العربية.
وفي هذا السياق اعتبر وزير خارجية النظام التركي مولود تشاووش أوغلو أن التواصل العربي مع دمشق مهم لإتاحة عودة السوريين، ورأى أن “معظم الدول لا تريد تقديم شيك على بياض لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية وكأن شيئاً لم يحدث”.
إن الحالة المضيئة والسيادية في ظل هذا الواقع الإعلامي والسياسي الإقليمي والدولي هي تأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أهمية عودة سورية إلى مقعدها بالجامعة العربية، لأنها عضو مؤسس، ولا يمكن حرمانها من حقوقها، ودعا تبون إلى مواجهة النظام الدولي القائم الذي يفرض فيه القوي مفاهيمه على الطرف الأضعف في إشارة لافتة منه إلى المحاولات الغربية لإحباط الجهود العربية للم الشمل العربي والحد من التدخل الخارجي في شؤون دول المنطقة.
تتابع دمشق بكل اهتمام التطورات العربية الإيجابية وتواكب وتتفاعل مع جميع الطروحات التي تصب في مصلحة الدول العربية، وتضمن مواجهة التحديات الدولية على المنطقة على قاعدة ثوابتها السياسية المعروفة ورفضها الخضوع لأي إملاءات خارجية وتواصل إستراتيجيتها لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية بشكل ثنائي، والتي تمثلت مؤخراً باستعادة التمثيل الدبلوماسي مع تونس وزيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق واتفاق البلدين على التبادل القنصلي وقضايا عربية في مقدمتها مركزية القضية الفلسطينية.
من الطبيعي جداً فتح قنوات الحوار مع جميع الدول والتفاعل مع كل الطروحات الدولية والاستماع إلى مطالبهم وشروطهم، ولكن ما لا يجب حصوله أن يكون القرار العربي باستعادة سورية لمقعدها في الجامعة العربية مرهوناً بالموافقة الغربية – الأميركية أو أن يفتح طريقاً للتدخل في شؤونها الداخلية.
لا شك أن الدور الأميركي تحديداً لا يزال فاعلاً ومؤثراً في المنطقة بالنظر للتشابكات والحضور العسكري والأمني والاقتصادي الواسع للولايات المتحدة مع العديد من الدول العربية، وما يجب فعله هو: ليس تنفيذ ما تطلبه واشنطن أو انتظار التغيرات الدولية، وإنما توظيف علاقاتها ومصالحها في المنطقة لتغيير تعاملها القائم على الهيمنة والتسلط أولاً ومحاولة تغيير نظرتها ومواقفها من القضايا العربية وتدخلاتها السافرة في الشؤون العربية ثانياً.
تتزايد الظروف المناسبة لإحداث نقلة نوعية في تحصين القرار العربي على المستوى الإقليمي والدولي، وخاصة أن مؤشرات الصراع القائم لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب تزول لدى سياسة النظام الدولي القائم، حيث يفرض فيه القوي مفاهيمه على الطرف الأضعف الذي دعا الرئيس الجزائري إلى مواجهته، والمطلوب من جميع الدول العربية التقاط الفرصة واللحظة الحالية، كما فعل العديد من التكتلات الإقليمية سابقاً واستعادة العلاقات بين إيران والسعودية من المفترض أن تشجع دولاً أخرى للمبادرة في تحصين قرارها السيادي وانتهاز الفرصة المناسبة.