الملحق الثقافي- سلام الفاضل:
للرواية ونقدها مصطلحات خاصة بهما، شأنهما في ذلك شأن الأجناس والأنواع الأدبية والعلمية كلها.. والقارئ العربي يحتاج، شأنه في ذلك شأن ناقد الرواية، إلى معرفة المفهومات؛ أي المعاني والتصورات التي تُعبر عنها المصطلحات المتداولة في النقد الروائي.. ولكن هذا الأمر عسير بالنسبة إلى القارئ والناقد العربيين؛ لأن مصطلحات الرواية ونقدها غريبة غير عربية، وغزيرة متنوعة، وذات مصادر متداخلة، الأمر الذي جعل الإحاطة بها غير يسيرة، بل إنها أضحت عقبة في أثناء تذوّق النقد الروائي وبيان جمالياته.
بدلاً من أن تكون وسيلة من وسائل تيسير الفهم والتذوّق والنقد.. كما أن صلة القارئ العربي بالنص العربي ضعفت لسبب آخر، هو اهتمام النقّاد العرب بالمصطلحات للخروج من القراءة الانطباعية إلى القراءة الموضوعية المنهجية، وحرصهم على الإكثار منها في أثناء تحليل الرواية للدلالة على اتباعهم منهجاً من المناهج النقدية، أو الإيحاء بمعرفتهم المناهج الحديثة… أو غير ذلك. وهذا ما جعل تعريف المصطلحات وتحديد مفهوماتها تحدياً من تحديات النقد الروائي العربي، ومأزقاً من مآزقه في الوقت نفسه.
والكتاب الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (مصطلحات الرواية من التعريفات إلى المفهومات)، تأليف: سمر روحي الفيصل، يعمل على ترسيخ وظيفة النقد الروائي، وتجويد صلة القارئ بنص الرواية العربية، عن طريق تقديم تعريفات لمفهومات المصطلحات الغربية المتداولة في الرواية العربية ونقدها، وإن تباينت مصادرها وتنوّعت اتجاهاتها وخلفياتها، وذلك عن طريق جمعها بين دفتي كتاب واحد قادر، ما أمكنه ذلك، على التمييز بينها، وتحديد صلاحية بعضها دون البعض الآخر لنقد النص الروائي العربي، والإسهام في تقريب الرواية ومصطلحاتها من الساحة التربوية في المدارس والجامعات، ونقل القارئ من قراءة المتعة والترفيه إلى قراءة الفهم والتذوق والتفسير..
وقد حاول مؤلف الكتاب أثناء تأليف كتابه استدراك النقص والخلط الحاصل بين مصطلحات الرواية ونقدها، ثم عمل على الرجوع إلى روّاد النقد الروائي الأوائل، من أمثال: فورستر ولوبوك وموير، ومن تبعهم أو خالفهم، ابتداءً من الشكلانيين والواقعيين وأنصار النقد الجديد والبنيوية، وانتهاءً بمناصري التلقي والتفكيك المنتمين إلى ما بعد الحداثة، وبعض المنتمين إلى ما بعد بعد الحداثة، كالمنتمين إلى النقد النسوي.. إضافة إلى الإفادة من العاملين العرب في حقل المعجمات الأدبية، كمجدي وهبة، ولطيف زيتوني، وجبور عبد النور… وسواهم.
كما أنه ركّز في ثنايا كتابه على تعريف المفهومات، وقد راعى في ذلك وضوح التعريف، ودقته، وإحاطته بجزئيات المفهوم، وصوغه بلغة مباشرة خالية من العبارات المجازية.. وحرص، في الوقت ذاته، على جمع المصطلحات القريبة جداً من حقل الرواية ونقدها، ففصّل في بعضها؛ لأنها رئيسة في السرد الروائي، كالتعريفات الدالة على مفهومات قراءة النص والشخصية الروائية والرواية التقليدية، والرواية الجديدة والرواية النسوية؛ أو لأن لبعضها أصولاً متقاربة في السرد العربي، كمفهوم الخيال والتخييل مثلاً.. إلى جانب ترتيب المصطلحات في هذا الكتاب ترتيباً ألفبائياً، وتزويده بثلاثة فهارس؛ أولها للمصادر والمراجع، وثانيها للأعلام الأجانب الذين جاء الكتاب على ذكرهم، وثالثها للروائيين العرب ورواياتهم التي جُعلت أمثلة للمصطلحات.
وقد قدم المؤلف ذلك كله في كتاب يقع في 375 صفحة استغرق العمل عليه زمناً طويلاً غير متصل، كما جاء على لسان المؤلف في مقدمته، حيث أردف: «وذلك كله لا يعني أن طباعة الكتاب ستريحني من متابعة البحث في مصطلحات الرواية ونقدها؛ لأن العمل في معاجم المصطلحات شائق شائك وإن كان مفيداً»…
العدد 1143 – 9-5-2023