الثورة – رفاه الدروبي:
يضمُّ التراث الثقافي المقتنيات المادية وغير المادية وتخصُّ مجموعة ما أو مجتمعاً لديه موروثات من الأجيال السابقة، مازالت باقية حتى الوقت الحاضر ووهبت للأجيال القادمة.. ويعتبر كلّ ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون ونحوها من جيل إلى آخر، يشمل كل الفنون الشعبية من شعر وغناء وموسيقا ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وما تتضمَّنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات.
بين حارات وأزقة حي القنوات العريق ومعنى اسمه قنوات المياه الرومانية المتفرِّعة من نهر بردى، تحديداً في موقع الشادروان، يخترق النهر الحي ويتجه شطر دمشق القديمة داخل سورها، بينما تسيل مياهه ضمن قناة رومانية محمولة على قناطر حجرية.
أخذتنا الخُطا بجولة إلى متحف للمقتنيات القديمة أطلق عليه بيت التراث الدمشقي احتواها منزل هيثم طباخة صاحب الدار الواقع بين جنبات حي القنوات اقتنى منزلاً في الحي مؤلَّفاً من الأرضي فوقه طابقان حيث جمع القطع التراثية المادية “الانتيك” بعد أن صرف عليها ملايين الليرات لقطع تعود إلى قرن مضى.. بدأ شغفه بها منذ أربعة عقود مضت عندما كان في العشرينيات من عمره.
بيت طباخة تدخله لتهبط عدة درجات تؤدِّي إلى فسحة سماوية غطاها كي تقي مقتنيانه حرَّ الصيف، خشية أن تلفحها شمسه الحارقة وتتلفها برودة الشتاء.. والدار تحتوي على أثاث غرف الضيوف المصنوع من الموزاييك والصدفيَّات، وعلَّق صوراً لذكريات قديمة.. تقف لتترك لخيالك العنان وتعيش للحظات مع أحلى وأرق لحظات ربما لن تعود.
صاحب بيت التراث بدأ حديثه عن هوايته بأنَّها بحر لاساحل له يغرف منه فيتسلل الماء من بين أصابعه من دون أن يدري، رغم أنَّه امتلك مقتنيات مادية تتعلق بالبيت، وأثاثه ذات نقوش وزخارف بديعة مصنوعة من الموزاييك والصدفيَّات وجمع الفخاريات بأنواعها وما يتعلق بالأسواق والمهن واللباس المتعارف عليه، إضافة لأنَّه امتلك صندوق الفرجة ومازالت صورها في ذاكرة التراث كحكايات الزير سالم وعنترة وكركوز وعيواظ.
بينما أردف طباخة بأنَّ هوايته بدأت من سوق الحميدية الدمشقي فوجد فيه منجماً ثرَّاً لكافة القطع التراثية النفيسة والنادرة كان أهمُّها ميدالية ذهب اقتناها مُدوِّناً عليها: “من العرب إلى أم كلثوم سيدة الغناء العربي كوكب الشرق”.
ثم تحدَّث الباحث هيثم عن جمع النقود المعدنية والصور القديمة لنهر بردى أيام الزوارق تسير في سريره، والسيران في الربوة، مُفسِّراً كلمة سيران وتعني السير على الأقدام وبأيديهم يحملون السكَّ والسلَّة والسَّحَّارة.
وانتقل إلى التراث اللامادي المؤلف من حكايات ترويها الأمهات والجدات مُسترسلةً بسردها في ليالي الشتاء الطويلة لتجعل سامعيها يسرحون بخيالهم لساعات مع أحداث حبكتها بدقة كي يُدخلوهم في عالم خيالي يسرحون في زواربه فكانت جميلة من بدايتها وحتى عقدتها وخاتمتها السعيدة، فيما مُلئت الصحون بالزبيب والتين المحشو بالجوز دون أن ينسوا فناجين القهوة المحمصة والمطحونة بأيدي ربات البيوت.