الثورة – مريم إبراهيم:
فجأة ومن دون سابق إنذار وجدت السيدة أم علاء ابنها الشاب الجامعي الطموح والذي ما زال في سنوات دراسته الجامعية الأولى، يتغير حاله من سيئ إلى أسوأ، إذ تدهورت صحته تباعاً، وازداد مصروفه اليومي عن المعتاد، وأصبح يحب العزلة والانطواء، وهجر الاجتماعات العائلية، وبعد فترة من تفاقم أعراض لم تكن مألوفة سابقاً، والكشف عليه من قبل الطبيب وإجراء التحاليل اللازمة تبين أنه يتعاطى المخدرات، وتلك كانت الصدمة الكبرى للعائلة جميعاً، ولكن مازال في بداية التعاطي، فالأمر بدأ وكأنه خارج قدرة الوصف والتحمل.
هكذا تصف أم علاء حالة ابنها بحرقة ودموع وألم لا يوازيه ألم، فالشاب الطامح للحياة أصبح وكأنه يعيش حياة بلا معنى أو هدف، إضافة إلى إحساس بوصلة عار، وكأنه لم يعد كما بقية أقرانه الآخرين والذين بدؤوا ينسحبون من صداقته شيئاً فشيئاً، ولكن بدعم ومساعدة من الأصدقاء والأطباء ومتخصصي معالجة تعاطي المخدرات تم استدراك الحالة نوعاً ما، لكن الجرح مازال ينزف فالذي انكسر لا يرجع كما كان أبداً.
هذه الحالة ليست فريدة، بل هناك حالات كما حالة الشاب، حيث تفشي المخدرات بكثرة في جميع المجتمعات والدول وأصبحت من الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها تجار المخدرات لبناء الثروات والمال على حساب تدمير المجتمعات وتفتك بها وتحدث الخراب فيها صحياً واقتصادياً ومجتمعياً، فهي آفة تمثل تهديداً حقيقياً لأمن المجتمعات وسلامتها، ومن أبرز التحديات العابرة للحدود التي تتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية للتصدي لها والحد منها وتحصين المجتمع ضدها، وذلك يبدو مسؤولية وطنية مشتركة تتطلب الوعي المجتمعي والتعاون بين مختلف الجهات المعنية، فهناك الجهات التربوية والتعليمية والإعلامية والجهات المعنية بسن التشريعات والقوانين التي تعاقب متعاطي المخدرات والمتاجرين بها.
سلاح خفي
الباحث الاجتماعي جاك ساموئيل بين لـ”الثورة” ان المخدّرات من أخطر الآفات التي تهدّد شريحة الشباب خصوصاً، لما تسببه من خسائر جسيمة للدولة والمجتمع، فهي تحوّل الدولة إلى فريسة سهلة لأعدائها، الذين طالما تعمّدوا استخدام هذه الوسيلة كسلاح خفي لتدمير الشعوب وضرب استقرارها من الداخل، ومن أبرز آثارها السلبية تفاقم الأمراض النفسية والعصبية والعقلية، نتيجة اضطراب التوازن الكيميائي في الدماغ، وتعطيل التوازن النفسي والسلوكي لدى الفرد، خصوصاً لدى الشباب، الذين يُشكّلون القوّة الإنتاجية الأساسية في الدولة، وانعدام الاستقرار السكني والتشرّد، وما يرافق ذلك من تفكك أُسري وارتفاع حالات الطلاق.
وهناك أيضاً زيادة الحوادث نتيجة فقدان التركيز والاتّزان، وغياب القدرة على تقدير المخاطر، وتراجع القدرة الإنتاجية للفرد، وعدم القدرة على إشباع الحاجات الأساسية، مما قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم كالسرقة والسطو، وبالتالي انتشار الجريمة في المجتمع.
وحول تأثير المخدرات على الدولة أوضح ساموئيل أن المخدرات تهديداً مباشراً للأمن القومي، إذ تؤدي إلى إضعاف البنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للدولة. فاقتصادياً، تُستنزف موارد الدولة في مكافحة المخدرات، ومعالجة الإدمان، وتأهيل المدمنين، في الوقت الذي تتراجع فيه إنتاجية القوى العاملة بسبب الإدمان.
وتسهم هذه الآفة في تفكك النسيج المجتمعي من خلال زيادة البطالة والجريمة والتفكك الأسري، مما يُثقِل كاهل مؤسسات الدولة المختلفة، كالقضاء، والشرطة، والنظام الصحي، والأخطر من ذلك، أن أعداء الوطن يستغلون المخدرات كسلاح لتفتيت المجتمعات، وضرب الاستقرار الداخلي من دون خوض حروب مباشرة، مما يجعل مواجهتها ضرورة وطنية لحماية السيادة والاستقرار وبناء مستقبل مزدهر.