الثورة – لينا شلهوب:
يصادف يوم 26 حزيران من كل عام، اليوم العالمي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها، وهي مناسبة تحشد فيها دول العالم جهودها لتسليط الضوء على هذه الظاهرة المتفاقمة، التي لا تزال تنخر جسد المجتمعات، ولاسيما عبر مسالك جديدة تسللت إلى العالم الافتراضي، مستهدفة فئة الشباب بشكل ممنهج.
ورغم الجهود المبذولة على المستويات التشريعية والأمنية والصحية، إلا أن التحديات تتصاعد مع تطور أدوات المروجين، الذين لم يعودوا يكتفون بالأزقة الخلفية والشوارع المظلمة، بل انتقلوا إلى منصات التواصل الاجتماعي، مستغلين ضعف الرقابة الرقمية وسهولة الوصول إلى المستخدمين، وخاصة المراهقين.
خطر متجدد
يؤكد اختصاصي الطب النفسي والإدمان الدكتور نادر الفقيه، أن تعاطي المخدرات لم يعد مرتبطاً بالطبقات المهمشة أو ببيئات الفقر كما كان يُعتقد، بل أصبحت تصل إلى طلاب الجامعات، وأبناء الطبقات المتوسطة، عبر قنوات جديدة مثل الانترنت والمحتوى الرقمي المُضلل.
ويتابع: النتائج النفسية كارثية، تبدأ من اضطرابات القلق والاكتئاب، وقد تصل إلى الفصام والانتحار، ناهيك عن انهيار العلاقات الاجتماعية وفقدان الوظائف والدخول في دوائر الجريمة.
وتشير الإحصائيات العالمية إلى أن أكثر من 35 مليون شخص حول العالم يعانون من اضطرابات ناتجة عن تعاطي المخدرات، بحسب تقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2024. وتُعد فئة الشباب من أكثر الفئات عُرضة للإدمان، نظراً لخصائصهم النفسية والاجتماعية، وضعف الوعي الكافي بمخاطر هذه السموم.
أدوات استدراج رقمية
في تعليق لخبير الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية سمير الراوي، يقول: رصدنا خلال الأعوام الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في استخدام تطبيقات مثل تيك توك، سناب شات، وتلغرام، لترويج المخدرات، غالباً عبر حسابات وهمية تقدم عروضاً مغرية بأسلوب شبابي يخفي الطابع الإجرامي للرسائل.
ويضيف: هذه المنصات تمنح المروجين إمكانية إرسال رسائل مشفرة، ونقل المواقع الجغرافية، بل وتحديد نقاط التسليم دون أي لقاء مباشر، مما يصعّب عمليات التتبع الأمني التقليدي.
كما يشير إلى أن بعض المروجين يستخدمون “لغة مرمّزة” أو رموز تعبيرية معينة ترمز لأنواع من المخدرات، ما يستدعي تحديث آليات الرصد والتحليل لدى الجهات المختصة.
في المواجهة
تؤكد الاختصاصية الاجتماعية ليلى خميس أن أكبر خطأ ترتكبه بعض الأسر هو التهرب من الحوار مع أبنائها حول المخدرات، ظناً أن الحديث عنها قد يشجعهم على تجربتها، في حين أن غياب التوعية هو ما يفتح الباب للتجربة ، مضيفة : علينا خلق مناخ من الثقة والتقبّل، وأن نكون أول مصدر للمعلومة في حياة الطفل، قبل أن يستقيها من الانترنت أو من رفقاء السوء، كما تلعب وسائل الإعلام، وفق خميس، دوراً جوهرياً في تقديم حملات توعوية تُخاطب وعي الشباب بلغتهم الخاصة، من خلال فيديوهات قصيرة، قصص واقعية، أو حملات تشاركية على المنصات التي يقضون فيها ساعات يومهم.
الحل في التوعية والملاحقة والمعالجة
تتفق آراء المختصين على أن محاربة المخدرات لا يمكن أن تتم من خلال أداة واحدة، بل تتطلب نهجاً تكاملياً يجمع بين الوقاية، والملاحقة، والعلاج.
فمن جهة، لا بد من رفع الوعي في المدارس والجامعات والمنازل، ومن جهة أخرى يجب تطوير البنية التشريعية والتقنية لرصد شبكات الترويج عبر الانترنت، وفي الوقت ذاته، من الضروري توفير مراكز علاج وتأهيل للمدمنين، تراعي البعد النفسي والاجتماعي، وتساعدهم على الاندماج مجدداً في المجتمع.
في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، لا يكفي أن نرفع الشعارات، بل يجب أن نتحرك كأفراد ومؤسسات لدرء هذا الخطر المتنامي. فحماية الأجيال القادمة مسؤولية جماعية، تبدأ من التوعية داخل البيت، وتمتد إلى غرف الأخبار، ومراكز العلاج، ومختبرات الأمن الرقمي.. فالمخدرات لم تعد تطرق الأبواب، بل تصل إلى الجيوب عبر شاشات مضيئة، وسلاحنا الوحيد هو الوعي.