كثير من الآمال عقدت وعلقت على القمة العربية التي التأمت في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، وعبر عن تلك الآمال ساسة ومثقفون وإعلاميون ورأي عام عربي انطلاقاً من أن مناخات ايجابية كانت قد سبقت انعقادها تمثلت بعودة سورية للجامعة بعد تجميد عضويها لمدة تزيد على أحد عشر عاماً في قرارغير ميثاقي وفق الكثيرين أملته ظروف غير موضوعية كانت سائدة في المنطقة العربية إبان ما سمي الربيع العربي إضافة الى الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم توقيعه في بكين برعاية صينية يؤمل أن يطوي صفحة من الخلافات والتوترات والاستقطابات في المنطقة، ويفتح آفاقاً لعلاقات بينية عربية إيرانية، وعربية إقليمية تصب في مصلحة شعوب المنطقة وأمنها الإقليمي وتغير في مسارالتحالفات والاصطفافات القائمة، والتي استغلت أميركياً وإسرائيلياً لموجة تطبيع غير مسبوقة مع الكيان الصهيوني وصلت إلى درجة التحالف والتنسيق الأمني معه مع سعي محموم لقلب حقائق وواقع الصراع من عربي صهيوني إلى صراعات جانبية بين العرب وجيرانهم في تجن واضح على حقائق التاريخ والجغرافية وواقع الحال.
وعلى التوازي مع ذلك عقدت القمة في ظروف دولية وإقليمية تنبئ بإرهاصات أولى لولادة نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية وأفول زمن القطب الواحد الذي ترك آثاراً سلبية على شعوب المنطقة والعالم تمثل بتغول أميركي غير مسبوق واشتعال حروب وصراعات وتوترات في المنطقة العربية ومناطق أخرى من العالم سواء في أوكرانيا أو تايوان والسودان وغيرها من دول تبدو الأيادي والأصابع الأميركية فيها واضحة، حيث الاستثمار في الحروب واستنزاف الخصوم والحلفاء معاً خدمة لشركات السلاح والكارتلات والمجمع الصناعي الأميركي هو المستفيد الأكبر ما يؤكد فرضية أن الأمن والسلم الدولي هو عدو أميركا الأول وليس الصين وروسيا فقط، وهذه الفرضية تعيد إلى الأذهان ما قاله الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل في وصفه للامبرطورية الأميركية بأنها الامبراطورية التي لا تعرف الوقوف أي التوسع فهي كالعجلة (الدراجة) ما إن تقف حتى تسقط وتقع.
لقد عانى العرب وغيرهم كثيرون ودفعوا ثمناً غالياً في مرحلتي القطبية الثنائية التي استمرت منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945حتى سقوط وتحلل الاتحاد السوفييتي عام 1991 وزاد الأمر سوءاً في مرحلة القطب الواحد ما يعني بالنتيجة أن على العرب وغيرهم ألا يراهنوا كثيراً ويعقدوا الآمال على بروز أقطاب أخرى على الرغم من أنه أمر جيد، حيث يسهم في ايجاد حالة من التوازن الدولي يتيح هامشاً من المناورة للدول الأخرى بحيث لا تقع تحت تأثير القطب الواحد ونزواته ومصالحه وإملاءاته، ولكن من المهم أن يفكرالعرب تفكيراً عملياً وواقعياً بإمكانية أن يكونوا مجتمعين ومتحالفين ومتشاركين شراكة اقتصادية وثقافية وعلمية وأمنية وسياسية بحيث يكونوا ويشكلوا نواة لقطب عربي منتظر، وهذا لايدخل في إطار الرومانسية السياسية ولا الخيال السياسي، وإنما مسألة قابلة للتحقق إن صدقت النيات وحسن الأداء وطريقة التفكير بالمصالح العليا لأبناء الأمة حاضراً ومستقبلاً في ظل عالم لا يعترف ويحترم إلا الأقوياء ويحسب حساباً لهم.
إن من أبرز التحديات التي تواجه أمتنا العربية قادة وشعوباً هو العرب الى أين في ظل سؤال محوري وراهني هو العالم إلى أين؟ فالواضح أن العالم يشهد مرحلة تحولات كبرى تؤسس لنظام عالمي جديد يقوم على الشراكة وليس الاستحواذ والإثرة والهيمنة، ولكنه عالم يقوم على التكتلات الاقتصادية والثقافية والأمنية والتكنولوجية، والأخذ بمعطيات العصر وفلسفته وقاموسه السياسي وألف بائه الاقتصاد والتقانة المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والاستثمار في الرأسمال البشري وجودة التعليم والكتلة الحيوية والنخب إنه عالم لايعترف إلا بلغة الأرقام، فالسياسة عنده هي رياضيات وفيزياء وعلوم وليس إنشاء وتعبيراً وخطاً ومكبرات صوت وأبواقاً وقرباً مثقوبة ؟
إن المنطقة العربية تملك كل أسباب أن تكون القطب المنتظر وفق معطيات رقمية، فهي خزان نفطي وروحي وجغرافية حاكمة وكتلة بشرية واعدة وشابه وتاريخ فيه الكثير من عناصر القوة والفخر والإنجاز، فدمشق وبغداد والقاهرة كانت على مدى قرون من الزمن مراكز وعواصم لأكبر امبراطوريات عرفها التاريخ امتدت من غرب الصين حتى شبه الجزيرة الايبرية، ولعل صوتاً دمشقياً عروبياً صدح وأطلق نداء التاريخ في قمة جدة فهل من مجيب؟ وهل من صدى؟ هذا ما نأمله ويجب أن نعمل عليه فنقرن الأمل بالعمل ويكون ما قبل جدة ليس كما قبلها ويتحقق الحلم العربي، وبالمناسبة في الكلمة التي ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينغ في القمة العربية الصينية التي عقدت في الرياض قبل عدة أشهر قال عبارة جدير بنا أن نتمثلها، حيث جاء على لسانه أن الإنجازات الكبرى تبدأ بأحلام وأفكار تتحول بالإرادة والعمل إلى كائن حي ؟