الثورة – معد عيسى:
تنتظر قمة المناخ المقرر عقدها في دبي تشرين الثاني القادم استحقاقات كبيرة بعد تفاقم أزمة التغيير المناخي، والذي وصلت مؤشراته إلى أرقام مقلقة فاقمت من الأزمات الاقتصادية في العالم حيث فاق النزوح الإنساني بسبب التغيير المناخي كلّ أشكال النزوح الناتجة عن الحروب بين الدول والصراعات الأهلية بين المجتمعات ، إذ تقدرأعداد النازحين سنوياً بسبب المخاطر المتأتية عن الظواهر الطبيعية القاسية كالهطولات المطرية الغزيرة أو الجفاف أو التصحر أو التدهور البيئي أو ارتفاع منسوب مياه البحر و الأعاصير بأكثر من 20 مليون شخص أغلبهم يتنقلون داخل بلدانهم إلا في بعض الحالات التي يضطر فيها البعض لعبور الحدود نتيجة الكوارث الناجمة عن المناخ فيتغير شكل النزوح ويتحول إلى لجوء .
سورية ضحية التغيير المُناخي
سورية التي تلقت دعوة موجهة من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة للرئيس بشار الأسد للمشاركة في قمة المناخ القادمة ( مؤتمر الأطراف COP28 ) ليست بعيدة عن التغيير المُناخي بل هي في قلبه ومنذ سنوات طويلة فالنزوح الذي حدث داخل الأراضي السورية بسبب المناخ ، من الأعوام 2005 وحتى بداية الأزمة من المنطقة الشرقية ( ريفي الحسكة الجنوبي الشرقي و دير الزور الشمالي والشمالي الشرقي و مساحة كبيرة من محافظة الرقة ) بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة الشرقية كان كبيراً وقاربت أرقامه حينها 400 ألف نسمة والكل يتذكر المخيمات التي نشأت بمحيط دمشق ولا سيما مخيم « أوتا يا « ومخيمات « الصفيح « فيما نزح عدد كبيرالى محافظات الساحل ودرعا والسويداء كون المحافظات المذكورة ذات طبيعة زراعية تؤمن فرص عمل مماثلة للأعمال التي كانوا يعملون بها في مناطقهم ، والنزوح طبعاً لم يتوقف مع بداية الأزمة ولكنه أخذ شكل آخر اختلط فيه النزوح الناجم عن التدهور البيئي مع النزوح الناجم عن الحرب الإرهابية على سورية ليتحول النزوح الى لجوء لبعض دول الجوار ودول أخرى .
صورة التغيير المناخي في سورية أصبحت اليوم أكثر وضوحاً مع التقلبات الجوية وتأخر الأمطار واحتباسها وتراجع الغطاء النباتي وحدوث فيضانات وجفاف بمناطق واسعة وبما يعبّر بشكل واضح عن تغيير مناخي ملحوظ زاد من الأعباء المالية الكبيرة على الاقتصاد الوطني، ولا سيما المبالغ الكبيرة التي تمّ صرفها من عام 2005 حتى بداية الأزمة في إطار مشروع تنمية المنطقة الشرقية وهيئة تطوير المنطقة الشرقية حيث تمّ تنفيذ عدد كبير من المشاريع التنموية مثل مشروع الصور لإرواء 136 قرية بدير الزور إضافة إلى مشاريع زراعية كثيرة وتقديم المساعدات والإعانات والقروض و توزيع أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية وتقديم تجهيزات زراعية وفي العام 2011 وقعت الحكومة السورية عقداً بقيمة 2 مليار دولار لإنشاء محطّة ضخ عين ديوارعلى نهر دجلة وقناة مياه عين ديوار التي تتفرع الى قناتين الأولى باتجاه سد السفان في مدينة المالكية وأخرى باتجاه نفق يتم حفره في جبال كراتشوك بطول /20/ كم وفي نهاية النفق يوصل بقناة مياه /ام/ ومنها تتفرع إلى قناتي مياه /ام 1/ بطول نحو 72 كم و/ام 2/ بطول 29 كم بحيث تضخ الأولى المياه في سدي السابع من نيسان والثامن من آذار بينما تضخ الثانية في سدّ الباسل جنوب مدينة الحسكة على نهر الخابور وكان مقدر للمشروع إرواء /200/ ألف هكتار لزيادة إنتاج المحافظة من المحاصيل الاستراتيجية إضافة إلى توفير عشرات آلاف فرص العمل للفلاحين الذين هجروا أرضهم نتيجة الجفاف ولكن للأسف المشروع توقف بسبب الحرب على سورية وقامت التنظيمات الإرهابية بسرقة المعدّات والتجهيزات من أرض المشروع .
تعويضات واستحقاقات
سورية يُمكن أن تكون في طليعة الدول المُستحقة للتعويض عما شهدته من تغيير مناخي وهذا يتطلب إعداد بيانات توثيقية لحجم الأضرار الناجمة عن التغيير المناخي ، كما يُمكن أن تقوم بتحضير ملف عما تمّ تركيبه من طاقات متجددة وتحصل بموجبها على تعويضات وفق معادلة حسابية مُعتمدة في برامج خفض انبعاثات الكربون ومقدرة بشكل تقريبي 20 دولاراً عن كلّ طن كربون يتم خفض انبعاثه وهذه التعويضات تتحملها الشركات الصناعية الكبرى ذات الانبعاث الكبير للكربون لاستخدامها الفحم الحجري والوقود الاحفوري لتشغيل مصانعها مع الإشارة إلى أنه في قمة المناخ التي أقيمت في باريس عام 2015 تمّ مناقشة فرض ضريبة بقيمة 75 دولاراً أميركياً على كلّ طن ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم للحدّ من الاحترارالعالمي.
تحدي العالم 1.5 درجة مئوية
أمام مؤتمر الأطراف ( COP28 ) المنتظر عقده في دبي تشرين الثاني القادم تحديات كبيرة والتزامات كان تمّ مناقشتها في القمم السابقة ،ولا سيما باريس وشرم الشيخ بمصر و غلاسكو بالمملكة المتحدة والتي انتهت إلى خُلاصات وبرامج وتوصيات إلا أن تنصل بعض الدول الصناعية المُصدر الأكبر للكربون حال دون إقرارها أو تنفيذها ومن أهمها ، إنشاء نظام إنذار مبكر ضمن نطاق تنبؤي محدود يقتصر على الكوارث الناجمة عن اضطرابات الطقس (درجة الحرارة، العواصف، وظواهر الجفاف) والاضطرابات الهيدرولوجية المسببة للفيضانات وتباعتها وذلك بهدف اتخاذ إجراءات فورية لإجلاء السكان نحو مناطق آمنة قبل وقوع الكوارث بوقت قصير لا يتجاوز 24 ساعة والذي من شأنه إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر بنسب تقارب 50 % وهو ما يمنع بالمحصلة أو يحدّ من حصول أزمات اقتصادية جديدة .
أما التحدي الهدف فيتجسد بتقليل معدل انبعاث الغازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون بما يتماشى مع تقليل معدل زيادة درجة حرارة الكوكب إلى أقل من 1.5 درجة مئوية ) ، وتوفير الدعم المالي للدول النامية المتضررة للتكيف مع تبعات التغيّر المناخي الذي يشهده كوكب الأرض والوفاء بالتزام تمويل المناخ بقيمة 100 مليار دولار، بعد أن كانت نحو خمسمائة شركة خدمات مالية عالمية وعدت في مؤتمر غلاسكو بالمملكة المتحدة العام الماضي بتخصيص 130 مليار دولار كاستثمارات لخفض انبعاث الغازات ولا سيما في مشاريع في الاعتماد على الطاقات المتجددة .
سمعة الإمارات بخدمة نجاح «قمتها»
يتوقع المراقبون أن تحقق قمة دبي ( مؤتمر الأطراف COP28) ما فشلت القمم السابقة بتحقيقه لمكانة دولة الإمارات العربية المتحدة سياسياً على مستوى العالم أولاً، ثانياً :لاستثماراتها الكبيرة بمشاريع الطاقات المتجددة إذ تشير البيانات إلى أن الإمارات تستثمر أكثر من 50 مليار دولار بمشاريع طاقات متجددة في أكثر من 70 بلداً في العالم وتسعى إلى مضاعفة الرقم بحلول عام 2030 وثالثا: انعقاد القمة يأتي بظرف دولي معقد يهدد أمن مصادر الطاقة بالعالم عدا الأزمات الاقتصادية العالمية الأخذة بالازدياد نتيجة التغيرات المُناخية وتراجع الإنتاج العالمي عن تنمية الطلب المتنامي على الأغذية .
كلّ ما سبق يدفع بالإمارات العربية المتحدة التي تشير المعطيات التحضيرية للمؤتمر لأن تجعل من « قمتها « قمة تنفيذية لتوصيات وقرارات وأوراق عمل القمم السابقة .