الثورة – عبد الحميد غانم:
مؤتمرات بروكسل التي يستضيفها الاتحاد الأوروبي بين فترة وأخرى، ويستبعد الدولة السورية الشرعية، ليست سوى دعاية تهدف إلى تسويق وخدمة أجندة بعض الدول الغربية المنظمة والمصممة دائماً على تسييس العمل الإنساني وفرض شروطها على المنظمات الدولية وسورية؛ ولا تحمل أي شرعية كونها مبادرة أو لقاء يتعلق بسورية دون مشاركتها وتنسيقها الكامل مع الطرف الشرعي الأساسي.
وهنا يبرز السؤال المهم: لماذا يعمد الاتحاد الأوروبي إلى تغييب الدولة السورية عن المؤتمر الذي عقد بمقره في بروكسل وخصص بشكل أساس حول سورية؟.
دون شك فإن الاتحاد الأوروبي الذي تورط بدعم الإرهاب والإرهابيين منذ بداية الحرب على سورية وحتى الآن، وكشفته وثائق سرية مسربة ووسائل إعلام غربية، لا يريد أن ينفضح أمره مجدداً، وتنكشف حقيقة أهدافه وسياساته المفلسة ومخططاته المهزومة نتيجة الإجراءات القسرية غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي يواجهها الشعب السوري بكل صمود وقوة والمفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد فشلت وسقطت مخططات الغرب، وبانت عورته وخداعه.
وأمام هذه الخيبات والهزائم والانتكاسات المتتالية التي مني بها الاتحاد الأوروبي وأدواته، وخاصة بعد النجاحات الكبيرة لسياسات الدولة السورية وما حظيت به من ترحيب دولي ومن قبل كبرى القوى العالمية روسيا والصين وإيران والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، فضلاً عن استعادة الدول العربية لزمام المبادرة بعد انعقاد القمة العربية الأخيرة في جدة، وتوسيع سورية لعلاقاتها مع الدول العربية ودول المنطقة، إلى جانب الأجواء الإيجابية التي تخيم على المنطقة، في وقت تواجه الولايات المتحدة والغرب عموماً انحساراً لنفوذهما وتقدم رحب لروسيا والصين والقوى المتضامنة معها في المنطقة العربية.
يحاول الاتحاد الأوروبي من خلال المؤتمر الذي انعقد في مقره في بروكسل، وتم تخصيصه بشكل أساس حول سورية تكرار مواقفه البالية، التي عفى عليها الزمن وتجاوزتها التطورات الإيجابية التي حققتها سورية طيلة السنوات الاثنتي عشرة الماضية، نتيجة لصمودها وتضحيات شعبها وجيشها، في حين كان من المفروض على دعاة هذا المؤتمر، وضمن ما تقضي فيه اللباقة الدولية دعوة الدولة المعنية وهي الجمهورية العربية السورية، لإبداء رأيها تجاه القضايا المطروحة والتحديات التي تواجه شعبها، لكن الاتحاد الأوروبي اختار تغييب الدولة السورية لإخفاء مآربه الخبيثة، التي لم تعد خافية على أحد، واتضحت وبانت للجميع، وهي التغطية على تورطهم بدعم قوى الإرهاب، فاكتفى منظمو الاجتماع بمشاركة أدواتهم الفاسدة المتحالفة مع (داعش) و(جبهة النصرة) والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تابعت تآمرها على سورية والوقوف ضد إرادة شعبها ومصالحه الحيوية.
الملفت في المؤتمر الدعوات التي خرجت من تلك الأطراف المشبوهة ومشغليهم، وتطالب بعدم السماح بعودة اللاجئين إلى وطنهم، وعدم تقديم مساعدات إنسانية لضحايا الإرهاب والزلزال، وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تطالب بدعم تمويل مشاريع التعافي المبكر، كل ذلك يكشف النيات الخبيثة للأنظمة الغربية من أجل هدف استمرار وإطالة معاناة الشعب السوري.
إن سورية التي أفشلت أهداف الحرب الإرهابية عليها ومحاولات التدخل في شؤونها الداخلية تؤكد أن محاولات النيل من مواقفها والتي فشلت في ساحة المنازلة لم تنجح سياسياً، وأن سورية التي صمدت أمام المرتزقة والإرهابيين – كما أكد بيان وزارة الخارجية والمغتربين – عاقدة العزم اليوم على العمل مع الأشقاء العرب والأصدقاء وكل القوى الخيّرة في العالم لتعزيز انتصاراتها وتجاوز تبعات الحصار الاقتصادي عليها، وإعادتها إلى أفضل مما كانت عليه قبل العدوان الإرهابي عليها.
إن دعاة الغرب الذين يتشدقون بمبادئ الأخلاق والدبلوماسية، عليهم أن يسارعوا إلى محاسبة الدول التي دعمت الإرهاب، وواصلت القيام بذلك، ويستحقون أن يحاكموا من قبل محكمة دولية مماثلة لتلك التي حاكمت النازية.
ولابد أن يلاحق الذين يمنعون – أنظمة وجهات وأطرافاً – عودة النازحين إلى ديارهم، هؤلاء الذين ينتهكون حقوق الإنسان ويفرضون علينا أشياء تتعارض مع هذه الحقوق، ويجب على الذين دمروا أن يشرعوا في إعادة بناء سورية ، وكذلك أولئك الذين دفعوا المال للإرهابيين والإرهاب، وأولئك الذين أرسلوا إرهابيين ومرتزقة لإشعال الحرب، حرب عانينا عواقبها.
اللاجئ السوري الذي هرب نتيجة ذلك الإرهاب، هل نتهمه بجريمة لم يرتكبها..؟ لقد أُجبر للجوء بدافع الضرورة، وهذا يعني أن على الاتحاد الأوروبي الذي يستضيف مؤتمر بروكسل وغيره أن يسأل نفسه السؤال التالي: من جلب السوري إلى لبنان وإلى غيرها من الدول.. ولماذا فعل ذلك؟.
المشروع الخطير الذي يريده الغرب دمج اللاجئين بالمجتمعات الجديدة وعدم عودتهم إلى وطنهم الأم عبر دعوات لبناء مدارس ومؤسسات وأبنية سكنية تحتضن اللاجئين إلى الأبد، كي تبقى الأزمة مستمرة، ولا نهاية قريبة لها، وكي تبقى مسألة اللاجئين ورقة انتخابية وسياسية يحاول البعض اللعب بها متى أراد وكيفما شاء، بما يحقق مصالحه السياسية بين جولة وأخرى.
لذلك، بحجة المشاريع الجميلة التي تهدف إلى إيواء اللاجئين السوريين في منازل حقيقية وليس خيام على مد البصر وفي جميع الظروف الجوية، سيواصل النظام التركي مشروعه البالغ 30 كم من المنطقة المحتلة على طول الحدود السورية، ولكن على أرض سورية ويسكنها سوريون.
كل ذلك تحت حجج واهية ظاهرها إنساني، وباطنها وحقيقتها مخططات عدوانية لإبقاء الأزمة مستمرة، ويستمر التدخل الخارجي بها، وفق مصالح قوى الاحتلال والعدوان.