إحياء دفاتر “بروكسل”.. التوقيت والهدف
افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة:
لماذا أعاد الاتحاد الأوروبي إحياء سياساته والنبش في دفاتره القديمة حول سورية؟ ولماذا عاد إلى اجتماعاته “الإنسانية” المزعومة في “بروكسل” في هذا التوقيت بالذات؟
لا يختلف اثنان على أن تطورات الأحداث في المنطقة والعالم، وفي مقدمتها التقارب العربي مع دمشق، وعودة سورية إلى الجامعة، وحضورها قمة جدة، والغضب الأميركي مما يحصل، هو ما دفع واشنطن للضغط على الأوروبيين، ليعودوا إلى برامجهم القديمة، وليتنادوا لعقد مؤتمر كهذا، تحت مسميات “الإنسانية والمانحين”، ويغيّبون سورية بشكل مقصود، وعن أمر يخصها بشكل مباشر.
فمعظم العواصم العربية باتت تطالب برفع الحصار الغربي الجائر عن سورية، ومعظم دول العالم باتت ترفع صوتها وتؤكد أن الإجراءات القسرية أحادية الجانب الظالمة تمنع الدواء والغذاء عن السوريين، ولا بد من إنهائها، وبدلاً من قيام “الأوروبي” بالتجاوب مع تلك المطالب المحقة، ذهب بالاتجاه المعاكس، كي لا تنكشف حقيقة أهدافه وسياساته من حصاره الجائر وغير الإنساني.
وهنا يدرك كل مراقب أن “الأوروبي” لا يريد أن يرى نتائج تطورات الأحداث على الأرض، فلا هو يريد رؤية مشهد الانتصار السوري على الإرهاب، ولا هو قادر على تصوّر هزيمة مشروعه المتناغم مع مشروع واشنطن التفتيتي والتقسيمي في المنطقة برمتها، والذي يتقاطع مع مشاريع الكيان الإسرائيلي الاستيطانية والعدوانية.
ولعل أكثر ما يدعو للاستغراب أن الأوروبيين، الذين يطالبون بعودة اللاجئين، قاموا بمشاركة أدواتهم الإرهابية الرؤية والحضور، وطالبوهم بعدم السماح بعودة أي لاجئ، وأصدروا بياناً دعوا فيه إلى عدم تقديم مساعدات إنسانية لسورية، وعدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن التي تطالب بدعم تمويل مشاريع التعافي المبكر، تحت حجج غياب الحل السياسي، ما كشف خطابهم المتناقض، وسياساتهم المتعارضة مع القوانين الدولية والأخلاق الإنسانية التي تمنع حصار الشعوب وتجويعها لتحقيق أهداف سياسية معينة.
إذاً يستمر “الأوروبي” في ترويج مصطلحاته البراقة حول المساعدات و”المانحين” ويعود إلى مؤتمراته الخلبية حول “دعم مستقبل سورية”، و”مساعدة الشعب السوري”، وكأنها نسخة طبق الأصل عن مؤتمر “بروكسل” الأول الذي لا ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة الناظمة للعمل الإنساني، والذي تتم حلقاته جميعها من دون مشاركة الدولة المعنيّة وهي سورية، ليظهر في نهاية المطاف أن تلك المؤتمرات لا تبحث سوى عن مصالح منظميها وليس لمساعدة السوريين ولا كرمى لعيونهم.
ولو كان “الأوروبي” صادقاً في طروحاته في “بروكسل” وغيرها لطالب المحتلين الأميركيين والأتراك والإسرائيليين بالانسحاب من الأراضي السورية، ولطالب الانفصاليين وداعميهم بالتوقف عن نهب الثروات السورية، ولرفع حصاره الجائر عن السوريين، لكن سياساته الخداعة وشعاراته البراقة، التي ظاهرها إنساني وباطنها عدواني، هي الشغل الشاغل لسياسييه، لأنهم باختصار لا يستطيعون رفض الأوامر القادمة إليهم من البيت الأبيض.