الملحق الثقافي- أحمد بوبس:
(عين حور) قرية من ضواحي بلدة الزبداني، تبعد عن دمشق نحو ستين كيلومتراً، تغفو على سفح الجبل الذي تتربع على قمته بلدة بلودان.. إلى هذه القرية ينتسب سليم عنحوري، الذي لمع نجمه صحفياً وكاتباً متنوراً قي أواخر القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين.
ولد سليم عنحوري في دمشق عام 1856، وتلقى تعليمه الابتدائي فيها، ثم تابع تعليمه في الأستانة، ليعود بعدها إلى دمشق، ويبدأ أولى خطواته مع الكلمة.. وكانت البداية مع الصحافة حيث كتب في صحف دمشق وبيروت، مثل (الشام) لصاحبها مصطفى واصف و(المشكاة) التي كانت تصدر عن حزب الاتحاد والترقي بدمشق و(دمشق) التي كان يُصدرها أحمد عزت العابد.
انتقل سليم عنحوري إلى مصر في كانون الثاني عام 1878، واتصل بجمال الدين الأفغاني، وصحبه ولازمه حيناً من الدهر، كما تواصل مع الأخوين سليم وبشارة تقلا صاحبي جريدة (الأهرام)، وأسس مجلة (مرآة الشرق)، وهي سياسية أدبية نصف أسبوعية، وكان من أشهر كتّابها جمال الدين الأفغاني، وكرسها لدعم موقف الخديوي اسماعيل في نضاله ضد الاحتلال البريطاني لمصر، وأنشا مطبعة (الاتحاد) من أجل طباعتها، وصدر منها سبعة عشر عدداً، ثم توقفت بسبب عودته إلى دمشق.. وبعدما عاد إلى دمشق أعاد إصدارها ثانية، لكنها أصبحت نصف شهرية، وخصصها لنشر القصص المترجمة من اللغات الأجنبية، وأوقفتها السلطات العثمانية بعد صدور العدد الأول وتم الحجز على المطبعة. كما عمل في مصر مع أديب اسحق في الحصول على امتياز صحيفة (التجارة)، ولكن سرعان ما ألغى تحريرها وعاد إلى سورية.. وتولى في سورية بعض الوظائف الرسمية في عكا وحوران واللاذقية، وزار بيروت واتصل بأدبائها ومفكريها.
ساهم في دمشق مع ابن عمه حنا عنحوري في تأسيس مسرح الاتحاد، وقام بتعريب بعض الروايات المترجمة، كما قام بتأسيس مجلة شهرية، سماها (مرآة الأخلاق) عام 1886.. وكان كثيراً ما يقضي فصل الشتاء في القاهرة، ويصدر من هناك مجلة (الشتاء)، وهذه المجلة كانت مجلة أدبية تظهر في الشتاء وتحتجب في الصيف لأنه يعود في الصيف إلى دمشق.. وبدأ عنحوري بإصدارها عام 1906، وهو بذلك رائد الصحافة الثقافية والأدبية على الصعيد العربي.
في عام 1890 احترف المحاماة بدمشق دون أن يتخلى عن ولعه بالتمثيل والأدب، فعرّب رواية (أخيل) التي ترجمها له فرنسيس تراك عن الفرنسية، وصاغها هو في ألفي بيت من الشعر، ومثلت في دمشق عام 1898 ثم في بيروت.. كما كتب رواية (هند وعصام)، وهي مسرحية نثرية أخرى.. وقد ذُكِر له عدا الروايتين المذكورتين حوالي عشرين رواية أخرى بين تمثيلية وقصصية.. ولكن لم يُعثر على واحدة منها، لأن معظم كتبه أحرقها أهله يوم نُفي عام 1915 إلى الأناضول مع من أبعِد عن سورية بسبب معارضته سياسات الدولة العثمانية.
مع بداية حكم الملك فيصل لسورية عاد سليم عنحوري إلى دمشق وشارك بتأسيس المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية) عام 1919.
وكان سليم عنحوري شاعراً جزلاً وسلساً في أسلوبه.. ومعظم قصائده في الغزل، وكان يُفضّل نظم قصائده على مجزوءات بحور الشعر، لأنها تجعل الشعر أكثر غنائية وحيوية، من ذلك قوله في إحدى قصائده:
يا هندُ أيّ جمالٍ أعطاكِ ربي فأبدع
نعم… وأيّ دلالٍ فيـهِ الخـلائقَ روَّع
فلو حـبيـسٌ بدَيرٍ رآكِ يوماً تخشَّــع
فـراحَ يعـبد هذا الجمال والطَرفُ يهمَع
وله قصائد وطنية نظم بعضها خلال نفيه عن دمشق من قِبَل السلطات العثمانية، منها هذه الأبيات :
إليك يا وطني المحبوبُ تقدمةً
يُعزى إلى العَجز والتقصير مُنشيها
فاقبل فديتُك ما يُهديك معتذرًا
إن الهدايا على مِقدار مُهديها
لسليم عنحوري الكثير من المؤلفات منها :
1- (مرآة الأخلاق) كتاب في 24 جزءاً، كل جزء منه في 24 صفحة، كتبه مع ابن عمه حنا عنحوري، وجعلاه قسمين، أحدهما روايات تجاذب الغرام والأدب والفكاهة، والثاني يخوض كل عباب ما عدا السياسة والدين.
2- (سحر هاروت) ديوان شعر طبع في دمشق عام 1885.
3- (الجوهر الفرد) ديوان شعر.
4- (بدائع هاروت )أو (أشهر في بيروت) ديوان شعر، طبع في بيروت عام 1887، ويدور حول الغزل والنسيب والمديح وشعر المناسبات والمقطّعات، ويظهر في شعره ميل إلى التجديد وكسر الجمود والتضمين.
5- (كنز الناظم ومصباح الهايم) كتاب أدبي، يقع في ثمانية مجلدات عام 1787، وأعيد طبعه بعنوان (القلائد الدرّية في فرائد اللغة العربية)، قرظه الشيخ محمد عبده في العدد 126 من جريدة الأهرام
6- كتاب جمع فيه ما قيل في رثاء ابن عمه حنا عنحوري شعراً ونثراً – صدر في بيروت 1890.
7- (آية العصر) – ديوان شعر-صدر في القاهرة عام 1904.
إضافة إلى مجموعة أبحاث أدبية في مجلات وجرائد مختلفة، منها ما نشره في أواخر أيامه في مجلة المجمع العلمي العربي.
إلى جانب عطاءاته الأدبية والثقافية تسلم سليم عنحوري العديد من الوظائف المرموقة، ففي عام 1873 أصبح رئيساً لقلم الجنايات في محكمة التمييز بعكا، وخلال عمله هذا كان على صداقة مع العلامتين بطرس البستاني وولده سليم، فاعتمداه مراسلاً لمجلتيهما (الجنة) و(الجنان) اللتين كانتا تصدران في بيروت.. وزمن الوالي مدحت باشا أصبح كاتباً للمدعي العام، وتمرس بقوانين الدولة وأنظمة العدلية، وفي عام 1879 تولى رئاسة تحرير القسم العربي في جريدة (الشام) اليومية، وكانت الجريدة تصدر نصف عدد صفحاتها بالعربية والنصف الآخر بالتركية.
توفي في دمشق عام 1933.
العدد 1148 – 20-6-2023