الثورة – ديب علي حسن:
يوم خاطب عبد اللطيف ابراهيم رئيس الجمهورية حينها شكري القوتلي قائلاً:
هذه الجبال أساور عربية صدئت وأغفلت الشآم صقالها
كانت الصرخة المدوية ليس باسم الجبال الساحلية التي كان يزورها مروراً بالمدينة
إنما هي صرخة الريف السوري الذي وقع عليه الظلم الاجتماعي الكبير, ولم يكن لينتبه إليه من يجب أن يفعل.. وعلى الرغم من أنه منجم ثرٌّ للرواية والحكايا وقصص العطاء والتضحية من أقصى الشرق حيث ضفاف دجلة إلى أبعد نقطة في الريف السوري.
لقد تأخر الروائيون السوريون لاسيما جيل الرواد في ولوج عوالم الحياة الاجتماعية للريف السوري, واقتصر الأمر على ما كان يجود به الشعراء من وصف للريف والحياة فيه.
لكن الجيل الجديد من الروائيين أخذ المهمة على عاتقه وبدأ حفرياته في تاريخ ما أهمله التاريخ في الريف السوري كله.
وإذا كان موضوع الرواية التي سنشير إليها هو الريف الساحلي, فعلينا أن نسجل الإشارات إلى روايات صدرت قبل ذلك حفرت في تاريخ هذا الريف, فعل ذلك نبيل سليمان وأحمد يوسف داوود, ويوسف المحمود وغيرهم.
العزيزة..
رواية العزيزة لأجل الزين سموني المهاجر الكاتبة زينب عز الدين الخير.. تفتح صفحات مطوية من تاريخ الساحل السوري ليس كمنطقة جغرافية أو إقليمية بل كخزان أو بوتقة للفعل الحضاري في المنطقة وذلك من خلال تتبع الرواية بأسلوب سائق سيرة أو هجرة سعيد المصري إلى عين الجوزية واستقراره فيها بعد أن ضل الطريق وهو يغذ السير إلى أنطاكية وهنا تبدأ الرواية تحفر ماضياً وحاضراً وتتفاعل الأحداث بعد تجذر عائلة السعيد في المنطقة ولكن لعنة الهجرة نصيبها حسب موروث المعتقدات الشعبية وتمضي الرواية في تشعب الأحداث إلى أن تؤرخ لسورية وصولاً إلى الحرب العدوانية التي شنت عليها.
وتنسج حكايا التلاحم والصمود والروح الوطنية والغربة والاغتراب..
الرواية تاريخ ما أهمله التاريخ وهي منارة تشع من حبر سوري هو الدم العربي.
تذكرني هذه الرواية بالكثير من الروايات الملحمية التي لا تروي وتسرد فقط بل إنها تاريخ اجتماعي وجمالي ووطني كتبت بحبر الإبداع..
وزينب عزالدين الخير لها أكثر من عمل إبداعي في حوار أجري معها قالت:
«أكتب لنفسي لأعيش الحالة الصحيحة، حيث جمال الكون والعناصر وكل ما لزم له في الوجود، حين أجلس وراء طاولتي ومعي قلمي وأمامي ورقة بيضاء أخلق كوناً موازياً أنشر فيه الجمال والحب وأدين البشاعة، أوجد شخصيات وأقدر لها حظوظاً ومسارات، أرسم لها الملامح وأعيرها أصواتاً وأزينها بما أشاء من قيم وجماليات، أو أرميها بوشم النحس المبين، وأواجه بها هذا العالم المجنون، هكذا هي كتابة الرواية بالنسبة لي إنها فعل حياة، الأديب يقرأ كثيراً ولا بد للنص الأدبي أن يترك أثره، فالتأثير السلبي يستفزه ويحبطه، أما الإيجابي فيحرض مخيلته الإبداعية».
وختمت بالقول: «صدّر لي “من خبايا الذاكرة”، وهي مجموعة مقالات عام 2012، ومجموعتان قصصيتان “أغداً ألقاك” عام 2012، و”أبناء السبيل” عام 2016، ورواية “الأمتار الستين” عام 2018 تحدثت فيها عن مدينة “جبلة” وأهلها».
ومما قيل عن الرواية
(العزيزة لزينب الخير، رواية رائعة لكاتبة سورية تضاهي الروايات العالمية المرشحة لنوبل، وبأسلوب يشبه كثيراً فن القص وتاريخ الأسرة والسلالات..).
رواية العزيزة للأديبة زينب الخير..
تستحق أن تتصّدر المكانة التي تستحقها بين أوائل الروايات العالمية..
تتميز الرواية بالنفَس الطويل والعميق في سرد أحداث على مرّ ثلاثة أجيال، بأسلوب سردي مشوق وعذب..
كما تتجلى فيها ثقافة الكاتبة وجمال ذائقتها الأدبية واللغوية.. إضافة إلى كونها توثق مراحل زمنية مهمة من تاريخ سورية العزيزة الأبية…).
إنها رواية مكتوبة بحبر الدم الذي روى تراب سورية وهي لا تضيق بمساحة جغرافية محددة وإن كانت تجعل منها منطلقاً للأحداث والوقائع.. إنها شهادات أجيال على ما جرى وتوق القادم.. زينب عز الدين الخير أرخت إبداعياً ما أهمله التاريخ العادي.. والتاريخ الإبداعي هو الأصدق لأنه الأكثر عمقاً وأصالة.