سوريا بلا مسامك بحرية..”الاستزراع البحري” يغرق في بحر الإهمال وغياب التخطيط

الثورة – تحقيق سنان سوادي:

بلغ إنتاج الأسماك في سوريا عام 2024، نحو 10085 طناً، منها 185 طناً من أسماك البحار، وهذا يدل على ضعف الاستثمار في الثروة السمكية البحرية مقارنة بطول الساحل السوري الذي يبلغ 183 كم، ومساحة الجرف القاري التي تبلغ 1160 كم مربعاً، ويعتمد إنتاج الأسماك على ثلاثة مصادر رئيسة (الصيد البحري، الصيد في المياه العذبة، الاستزراع السمكي).

في هذا التحقيق الصحفي نفتح ملف الاستزراع السمكي في المياه المالحة، محاولين الإحاطة بجميع جوانب هذا القطاع الاقتصادي المهم.

الاستزراع السمكي

يُعرف الاستزراع السمكي بأنه تربية الأسماك تحت ظروف وشروط معينة، بشكل يتيح لها النمو والتكاثر، ثم حصادها بعد فترة زمنية بطريقة علمية ومنظمة تحقق أقصى عائد بأقل التكاليف من الوحدة المساحية، وتحافظ على استدامة واستمرارية الإنتاج موسماً بعد موسم، وهو أحد الطرق لزيادة كمية الإنتاج السمكي.

منحت الهيئة العامة للثروة السمكية عام 2021 ست موافقات مبدئية لمشاريع مزارع أسماك بحرية، ثلاث منها مزارع عائمة حرة في البحر، وثلاث شاطئية.

وتمت المباشرة بتنفيذ أول مشروع جنوب مدينة جبلة بمساحة 18 دونماً برية “أحواض شاطئية” و15 دونماً بحرية “أقفاص عائمة” وبطاقة إنتاجية تصل لـ400 طن سنوياً من أسماك القجاج والبراق ضمن نظام التربية المكثفة، إذ تصل إنتاجية المتر المكعب الواحد من المياه إلى نحو 25-30 كغ، بعد استكمال تجهيز الموقع العام للمشروع، وبدأت الشركة المستثمرة بإنزال أربعة أقفاص عائمة بشكل تجريبي يبلغ قطر القفص الواحد 25 م وبعمق 10م، وتم تثبيتها بالبحر في الموقع المحدد للمزرعة.

تواصلنا مع الهيئة العامة للثروة السمكية للإطلاع على الخطوات التي حققتها في هذا المجال وحجم الإنتاج، لكننا لم نلتقَ الإجابة!.

تحسين الإنتاج

رئيس جمعية الصيادين في اللاذقية نبيل فحام قال لـ”الثورة”: الاستزراع السمكي البحري يحسن الإنتاج كماً ونوعاً، وبالتالي يخفض أسعار السمك، ما ينعكس إيجاباً على المواطنين، ويؤمن فرص عمل، فكل مسمكة تحتاج إلى ما يقارب 40 عاملاً، مشيراً إلى وجود مسمكة قيد الإنشاء في منطقة برج إسلام، ولم يتم العمل بها، ولا تزال الأحواض موجودة حتى الآن!.

ولفت إلى أنه تمت تجربة أقفاص عائمة في صنوبر جبلة وكانت ناجحة إلى حد ما، ولدينا مقومات النجاح كون نسبة الملوحة والحرارة معتدلتين، والغذاء متوفر، ولتطوير قطاع الأسماك وتحسين الإنتاج يجب إقامة مسامك بحرية سواء للقطاع العام أم الخاص من خلال منح قروض وتقديم تسهيلات.

الاستزراع

الدكتور رامز درويش المتخصص بالاقتصاد، يرى أن الاستزراع السمكي من أهم المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية التي تختص بها المدن الساحلية، إذ إن معظم الأفكار الاقتصادية في الساحل السوري تركز على إقامة المنتجعات السياحية التي تخدم أصحاب الثروة، ولا تراعي أصحاب الدخل المتوسط والضعيف، والأفكار الاستثمارية في الساحل تهتم بالموسم السياحي الذي يمتد لعدة شهور من السنة، والعام المحاسبي يحسبُ على مدار سنة كاملة، وليس على جزء منها، وبالتالي نحتاج إلى مشاريع إنتاجية تحقق قيمة مضافة على مدار العام، وتشبع حاجات المستهلكين.

مشروع التربية السمكية

إذا كان مخططاً ومدروساً ويحمل هوية اقتصادية محددة ذات فائدة حقيقية، فسيحقق جملة من الفوائد الاقتصادية العملية، وأهمها، بحسب د. درويش: التشاركية بين القطاعين العام والخاص وفق نسب محددة أصولاً، واستغلال المساحات الفارغة والمنتشرة على الشواطئ البحرية، بدلاً من بقائها من دون استثمار، وامتصاص البطالة في سوق العمل التي تشمل جميع العمال (المهرة وغير المهرة) على اختلاف تسمياتهم ومواقعهم الوظيفية من فنين ومشرفين ومهندسين وكوادر إدارية، إضافة إلى تحقيق أفضل استثمار في الآليات والمعدات الثقيلة التي يفترض أن يقدمها القطاع العام (جبالة، رافعة، تركس، بلدوزر)، وبالتالي تحقيق عائدات مالية في وقت زمني قصير، بدءاً من الاستثمار بعد النقطة الصفرية.

إذاً الاستزراع، برأي د. درويش، يساعد في دفع عجلة التنمية إلى الأمام والدخول في حسابات الاقتصاد القومي من خلال عمليات الاستيراد والتصدير، وتأمين موارد إضافية من القطع الأجنبي عن طريق التصدير، وتحقيق إيرادات حقيقية للخزينة العامة عن طريق عمليات الاستيراد.

والأهم هو التأثير في قانون العرض والطلب في السوق المحلية بتأمين الأسماك بأسعار مقبولة تناسب جميع الدخول، وتسد عجز النقص في العرض.

دعم مزارع الأقفاص

من جهته، بيّن الباحث في المعهد العالي للبحوث البحرية الدكتور أمير إبراهيم أنه يمكن تطوير الناتج من المياه البحرية عن طريق دعم مزارع الأقفاص السمكية البحرية، والتي بدأت تنشط في السنتين الأخيرتين، وذلك من خلال إقامة مفرخ لتأمين أصبعيات الأسماك القجاج، القاروس (البراق) لهذه المزارع، وإقامة معمل لإنتاج الأعلاف المخصصة لهذين النوعين، وذلك كمسرعات أعمال لتنشيط مشاريع الإنتاج السمكي، ونشر الحيود البحرية على امتداد الساحل، من خلال وضع هياكل معدنية أو إسمنتية قديمة بهدف إيجاد بيئة صناعية تلجأ إليها الأسماك للتفريخ والنمو، وتم تحديد 11 موقعاً ملائماً.

وأكد د. إبراهيم على أهمية التركيز على الجانب البحثي من خلال تفعيل المزرعة السمكية البحرية بجوار المعهد العالي للبحوث في الشاطئ الأزرق بقصد تطوير تقانات وطرق استزراع الأنواع السمكية، وتفعيل القوانين الناظمة لعمليات الصيد، وحماية الأوساط المائية البحرية.

لا مزارع بحرية

بدورها، أشارت اختصاصية بيولوجيا بحرية وتربية أسماك، في المعهد العالي للبحوث البحرية، الدكتورة معينة بدران أنه لا يوجد حتى الآن مزرعة بحرية سواء على نطاق ضيق أو واسع، وهناك بضع تجارب وأبحاث يقوم بها المعهد العالي للبحوث البحرية، والهيئة العامة للثروة السمكية في مركز أبحاث السن، علماً أنه تم تجهيز 24 حوضاً في مركز أبحاث السن التابع للهيئة العامة للثروة السمكية منذ خمس سنوات، وهي معدة للاستزراع، ولكن لم يتم العمل بها حتى الآن.

وأضافت: تم إعطاء رخص مبدئية لتربية الأسماك البحرية في مزرعتي أقفاص عائمة، وأربع مزارع أحواض شاطئية، ومنح الموافقات لها، عملت لمدة عام ثم توقف العمل بها نهاية عام 2024، وكانت الأصبعيات والخلطات العلفية والأقفاص المستخدمة من دول مجاورة.

وبينت د. بدران أن السمك البحري مستساغ أكثر من سمك المياه العذبة، ويحتوي على الأحماض الدسمة غير المشبعة طويلة السلسلة (HUFA) من زمرة الأوميغا 3، والحمضين (EPA) .(DHA0) الموجودين في زيوت الأسماك البحرية وغير موجودين في زيوت أسماك المياه العذبة، أو أي من اللحوم الأخرى، والحمضان يساهمان في الوقاية من الأمراض العصبية والنفسية والقلبية والعظمية والعضلية والسرطانية، وهذه الأسماك البحرية أصبحت تستخدم كعلاج لهذه الأمراض، وليس للوقاية فقط، كما توفر عائداً اقتصادياً كبيراً، لاسيما أن المياه البحرية متوفرة.

احتياجات المزارع البحرية

وأوضحت د. بدران أن البدء بمزرعة بحرية يتطلب وجود أحواض بالقرب من البحر، وذلك لاستجرار المياه البحرية إليها، ويمكن الاستفادة من منطقة مصبات الأنهار كمصب نهر الكبير الشمالي، ومصب نهر السن لتربية الأسماك في ملوحة مياه متوسطة، والأسماك المستهدفة بالاستزراع تحرز نمواً عالياً في ملوحات متوسطة، ويجب أن تتوفر الذريعة المناسبة، وتم البدء بتجارب حول استقدام أصبعيات أسماك من البحر وتربيتها في أحواض وكانت ناجحة، ولكن على نطاق تجاري لا يمكن الاعتماد على استقدام أصبعيات البحر نظراً لقلة أعداد الأسماك لذلك يجب تعلم تقنيات تفريخ الأسماك البحرية، ولا يوجد حالياً مختصون أو باحثون في ذلك.

وأكدت على ضرورة توفر الأعلاف المحلية، إذ تحتاج علفية الأسماك البحرية إلى مصدر أو أكثر علف نباتي، ومصدر أو أكثر علف حيواني، وذلك لزيادة نموها، وهذا الغذاء هو نفسه ما تتغذى عليه الأسماك في البحر ويجب أن يتم محاكاة نفس العلف في المزارع البحرية.

ولفتت د. بدران إلى أنه قبل عام 2011 كان العلف متوفراً محلياً وبأسعار زهيدة، وكان يتم استيراد فقط كسبة الصويا، ومسحوق السمك الذي لم يتعد سعر الأخير الـ40 ليرة للكيلو غرام الواحد، وهو المكون الأغلى في أي خلطة علفية، فيما باقي المكونات العلفية كانت محلية مثل الذرة الصفراء، ومخلفات القمح، وغرابلة المطاحن، ومخلفات المسالخ، ومسحوق ريش الدجاج المهدرج، ومخلفات مصانع البندورة والبطاطا.. الخ.

وبعد عام 2011 زاد سعر مسحوق السمك المستورد حتى تعدى 100 ألف ليرة للكيلو غرام الواحد، وهذا أحد المعوقات التي تؤثر على البدء بأي مشروع للاستزراع السمكي البحري، ولاسيما أنه لا يمكن إقامة مزارع بحرية من دون توفر مسحوق السمك، أما بالنسبة لكسبة الصويا فسوريا تملك مناخاً ملائماً لزراعتها.

الاستزراع في الأقفاص

وعن ميزات الاستزراع في الأقفاص قالت د. بدران: لا يحتاج لتوفير الأوكسجين الذي تحتاجه الأحواض بشكل مستمر، ولا الكهرباء لاستجرار مياه البحر، ولا للتنظيف الأسبوعي الذي تتطلبه الأحواض بشكل أسبوعي وبشكل يومي في الصيف.. ويجب أن يستهدف الاستزراع البحري أنواع (البراق، القجاج، الغريبة الرملية، أنواع البوري) نظراً لسرعة نموها ومذاقها المستساغ وقيمتها الغذائية وتحملها ظروف الأسر.

وبينت أن نجاح الاستزراع البحري يتطلب إيفاد باحثين إلى دول مثل تركيا، ومصر، والخليج العربي، لتعلم تقنيات التفريخ البحري، أو استقطاب خبراء مختصين في التفريخ، وإقامة مزرعة متكاملة تتضمن أحواضاً بالقرب منها أقفاص، ويتم تفريخ الأسماك في الأحواض وتربيتها في الأقفاص.

آخر الأخبار
قلعة حلب .. ليلة موعودة تعيد الروح إلى مدينة التاريخ "سيريا بيلد”.  خطوة عملية من خطوات البناء والإعمار قلعة حلب تستعيد ألقها باحتفالية اليوم العالمي للسياحة 240 خريجة من معهد إعداد المدرسين  في حماة افتتاح معرض "بناء سوريا الدولي - سيريا بيلد” سوريا تعود بثقة إلى خارطة السياحة العالمية قاعة محاضرات لمستشفى الزهراء الوطني بحمص 208 ملايين دولار لإدلب، هل تكفي؟.. مدير علاقات الحملة يوضّح تطبيق سوري إلكتروني بمعايير عالمية لوزارة الخارجية السورية  "التربية والتعليم" تطلق النسخة المعدلة من المناهج الدراسية للعام 2025 – 2026 مشاركون في حملة "الوفاء لإدلب": التزام بالمسؤولية المجتمعية وأولوية لإعادة الإعمار معالم  أرواد الأثرية.. حلّة جديدة في يوم السياحة العالمي آلاف خطوط الهاتف في اللاذقية خارج الخدمة متابعة  أعمال تصنيع 5 آلاف مقعد مدرسي في درعا سوريا تشارك في يوم السياحة العالمي في ماليزيا مواطنون من درعا:  عضوية مجلس الشعب تكليف وليست تشريفاً  الخوف.. الحاجز الأكبر أمام الترشح لانتخابات مجلس الشعب  الاحتلال يواصل حرب الإبادة في غزة .. و"أطباء بلا حدود" تُعلِّق عملها في القطاع جمعية "التلاقي".. نموذج لتعزيز الحوار والانتماء الوطني   من طرطوس إلى إدلب.. رحلة وفاء سطّرتها جميلة خضر