سعاد زاهر:
كانت الجدة ترى في حفيدتها ريتا أجمل هدية في حياتها، كانت تقول لكل من يزورها: “ريتا ليست حفيدتي فقط.. إنها فرحي، وضحكتي، وقلبي الصغير الذي يمشي على الأرض.
“كل صباح، توقظها الجدة برفق، تضع على الطاولة كوب الحليب الساخن، وتنتظر حتى تشربه كاملاً.. وفي المساء، لا تنام قبل أن تقص عليها حكاية، وتغطيها، وتطبع على جبينها قبلة دافئة.
كانت الجدة تخاف على ريتا من كل شيء.. من البرد، ومن المرض، وحتى من الحزن.
لكن في يوم من الأيام، تغيّر كل شيء.. اضطرّت ريتا للانتقال إلى مكان آخر مع عائلتها.
في صباح الوداع، جلست الجدة على حافة السرير تمسك يد حفيدتها، وقد اغرورقت عيناها بالدموع. “انتبهِي لنفسك ياصغيرتي.. لا تنسي أن تأكلي جيداً، وأن تدرسي، وأن تتذكري أن جدتك تحبك كثيراً.
“رحلت ريتا وهي تلوّح بيدها من نافذة السيارة، بينما كانت الجدة واقفة أمام باب البيت، تبتسم رغم الألم.
مرت الأيام، لكن قلب الجدة الثمانينية كان قد تعب من هموم الحياة وفي يوم هادئ، صعدت روحها إلى السماء، كزهرة بيضاء تطير مع النسيم.
كبرت ريتا، ودرست بجد، وتذكرت دائماً كلمات جدتها.. وفي يوم إعلان النتائج، أمسكت ريتا شهادتها بفرح كبير لقد نجحت في الشهادة الإعدادية، وتفوقت.. في المساء، وبينما كان البيت مليئاً بالبالونات والتهاني، شعرت ريتا أن هناك كرسيّاً فارغاً كان يجب أن تجلس عليه الجدة. اقتربت من النافذة، رفعت عينيها إلى السماء وقالت بصوت خافت:”جدتي.. أتمنى لو كنتِ هنا لترَي أنني بخير، وأنني قوية، وأن خوفك عليّ لم يكن في محله”.
وفجأة، هبّت نسمة دافئة، وكأنها ذراعان غير مرئيتين تحتضنانها، وسمعت في قلبها همساً حنوناً: “أنا فخورة بكِ يا صغيرتي”. ابتسمت ريتا، وشعرت أن الجدة تراقبها من السماء، مبتسمة بفخر ورضا. ومنذ ذلك اليوم، تعلمت ريتا أن تحب الآخرين من قلبها، وأن تمنحهم فرصة ليعيشوا حياتهم بسلام، وأن تمنح نفسها الحب الذي تستحقه.