الثورة – رشا غانم:
تتشدق بالحقوق الإنسانية، وتطالب الآخرين باحترامها والتمسك بها طالما أن ذلك لا يتعارض مع مصالحها الخاصة.
تشن الحروب وتشعل فتيل الصراعات في جميع أنحاء العالم تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان، وهي بنفس الوقت لا تتوانى بالدوس عليها وسحقها عندما تخالف مصالحها، إنها الولايات المتحدة التي تزعم بأنها “صانعة السلام”.
نعم هي نفسها التي شنت الحرب على العراق بحجة وجود أسلحة الدمار الشامل ليتبين لاحقا كذب مزاعمها وأهدافها الحقيقة من ذلك.
شردت الكثير وقتلت الكثير، أشعلت النعرات الطائفية وأضعفت البنى التحتية للعراق، ليصبح هشا وبيئة خصبة لتنظيم داعش الإرهابي ذي الصناعة الأمريكية، نعم إنها أمريكا النظام المبني على القواعد..
وفي سورية، لا تزال أمريكا تسرق النفط والقمح السوري، بكل وقاحة وغطرسة، مع أنها هي نفسها التي ادعت حبها للشعب السوري وحرصها على حقوقه. ضخت الكثير من الأموال لدعم الخراب في سورية وبعثت الكثير من الأسلحة، وجيشت الإعلام لقلب الوقائع وتصويرها حسبما تريد، هدمت بلدا كاملا من أجل مصلحتها.
ولربما كانت آذانها صماء، عندما قررت اليابان تصريف مياهها الملوثة نوويا، ورميها في المحيط ضاربة بعرض الحائط كل الآثار الكارثية المترتبة على هذا الفعل، فلم نراها تتغنى بالمعايير الإنسانية حينها، بل على العكس، قام وزير خارجيتها أنتوني بلنكن بالثناء على “جهود اليابان الشفافة”.
هذا ولم تكتف أمريكا بذلك، ففي مجال دعم خفض انبعاثات الكربون، لم تقم”صديقة البيئة وحامية حقوق الإنسان” بتكليف نفسها الحد الأدنى لدعمها جهود خفض الانبعاثات، بل ذهبت إلى حد عرقلة الجهود الساعية لذلك، متناسية دورها الظاهري في التمسك بمعايير الأخلاق وعرت نفسها من ثوبها كحمامة سلام لتظهر بصورتها الحقيقية وتغير جلدها الذي تسلخه بين كل حين.
ففي وقت سابق، دعا الجمهويون في مجلس الشيوخ الأمريكي، إدارة بايدن بالتخلي عن خطتها لخفض انبعاثات الكربون، كما طلبت رئيسة لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الأمريكي- كاثي رودجرز- من وكالة حماية البيئة الأمريكية بالتراجع عن معايير الانبعاثات للمركبات الخفيفة والمتوسطة والناقلات الثقيلة.
من الجلي والذي لامجال لإنكاره، بأنّ سياسة الطاقة الأمريكية ماهي إلا تسخير للاستراتيجية القومية للولايات المتحدة، وعندما تؤثر القضايا البيئية بالمصالح الاقتصادية لأمريكا، فلا تتردد حينها بتجاهل تلك القضايا، وعدم الاكتراث بها، ويُذكر أنّه في اجتماع قمة المناخ العالمي في 22 نيسان من عام 2021، تعهدت إدارة بايدن بالتزام رسمي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة بنسبة 52 في المائة عن مستويات 2005 بحلول عام 2030، في حين كشفت صحيفة بلومبرغ الأمريكية بأنّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع الطاقة الأمريكي في طريقها للوصول إلى أعلى مستوى لها منذ 30 عاماً.
وبلا حياء على الإطلاق، استخدمت الولايات المتحدة أزمة أوكرانيا للضغط على الدول الأوروبية، فلم تكتف بإجبار الدّول الأوروبية على تقليل اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، بل رفعت سعر تصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ونتيجة لذلك، اضطرت أوروبا إلى تأجيل خطة إلغاء الفحم، مما أدى إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، كما جُبرت أوروبا-التي كانت في يوم من الأيام تمثل المعيار العالمي لخفض الكربون- إلى العودة إلى طاقة الفحم، وهي نكسة لحياد الكربون العالمي.
في ظاهر الأمر، تقوم الولايات المتحدة بالتّعاون مع الأمم المتحدة بالحفاظ على الطّاقة وتقليل الانبعاثات، ولكن في الحقيقة، فهي لا ترى إلا مصالحها وحسب، فلطالما شجعت الولايات المتحدة وبشدة استغلال الغاز الصّخري، فعلى الرغم من أن الغاز الصّخري هو مصدر للطاقة النظيفة إلا أن الاستثمار المفرط له يمكن أن يتسبب بأضرار جسيمة للمياه الجوفية والجيولوجيا، فالتواجد المتزايد للغاز الصّخري في الأسواق من شأنه أن يخفض تكاليف توليد الكهرباء، والذي بلا شك أمر يساعد في تعافي وإنعاش الاقتصاد والتصنيع، والأهم، بأنّه يمكن لذلك أن يساعد أمريكا في عدم اعتمادها على روسيا كالمنتج الأكبر للغاز الطبيعي، وأخيراً، فإنّ الاستغلال المفرط للغاز الصخري سيؤدي إلى تسريب غاز الميثان وإنتاج الكثير من غازات الاحتباس الحراري.
ووفقاً لمراجعة الاحصائيات لبريتيش بتروليوم للطاقة العالمية لعام 2020، فقد كانت الولايات المتحدة الرائدة عالمياً كمنتج للنفط والغاز لعام 2019، وقد بلغ إنتاج النفط الخام 17.05 مليون برميل يومياً، وهو ما يمثل 17.9 في المائة من الإنتاج العالمي، منها حوالي 50-70 في المائة من النفط الصخري، حيث تحاول الولايات المتحدة تعطيل مشهد الطاقة العالمي من خلال توسيع احتياطاتها النفطية من خلال ثورة النفط والغاز الصخري.
ولا يسعنا إلا القول بأننا سئمنا من أكاذيب أمريكا، وتقيأنا من حمايتها المتملقة لحقوق الإنسان، وتطالب الآخرين بها عندما يصب ذلك في مصلحتها وهي نفسها تلك الحقوق المنسية والمتناسية في بلدها عندما تقف في وجه مصالحها واقتصادها وهيمنتها.