في عصر اندماج وسائل الإعلام أصبح للإعلام الرقمي قيمة كبيرة، ذلك لأنه يعتمد بشكل أساسي على الوسائط الرقمية مثل النصوص والصور ومقاطع الفيديو، وأصبح له فروع تخصص في أهم الجامعات، وذلك أيضاً لأنه بات يخدم الصحافة، والمحتوى الإعلامي بكل توجهاته من خلال منصات التواصل الاجتماعي، كما أصبح نجاح المؤسسات الإعلامية، والترويج لها يرتبط به في خلق جمهورها، وضمان وصولها إلى أكبر شريحة من الناس، هؤلاء الذين يصلون إلى كل معلومة، وخبر، وبث تلفزيوني حي، ومحتوى رقمي متنوع عن طريق هواتفهم الذكية، والأجهزة اللوحية، والحواسيب.
وبات على وسائل الإعلام المعاصرة أن تكون حاضرة على هذه المنصات الإلكترونية لتحصل على جمهورها مادام الإعلام الرقمي قد أصبح إحدى أهم الوسائل التي تهزم ما كان الإعلام التقليدي يواجهه من تحديات مالية يتسبب بها تراجع الإعلان، وأخرى من حيث وصوله إلى كل فئات المجتمع، أما نجاحه فكان يتم قياسه من خلال مبيعات الصحف، ونسب المشاهدة للتلفزيون، والاستماع للإذاعة، وعدد القراء للمجلات.
كل هذا تبدل وتغيّر مع دخول عصر الرقمية، والسرعة اللحظية في تناقل المعلومة، وخاصية تغطية الأخبار العاجلة والأحداث المباشرة، إلى جانب الدقة التي تنقلها الصورة، كما التفاعلية بين الخبر والجمهور المتلقي له، بفضل ما يتاح من حوار، ونقاش، يُفسَح من خلالهما المجال لمشاركة الآراء والأفكار، وليصبح الخبر بالتالي أكثر وضوحاً، وشفافية، وما يساعد على فهم، ووعي أكبر حول مختلف القضايا التي تطرح على الساحة.
إلا أن الإعلام الرقمي هذا الذي تحدى الآخر التقليدي، وتفوق عليه أصبح هو ذاته يواجه تحديات، ومشكلات، وعليه أن يهزمها قبل أن تهزمه، فالأخبار الزائفة، والمضللة التي تتسرب إليه تؤثر سلباً في مصداقيته ما لم يتم التحقق من عدم صحتها بالسرعة الكافية لنفيها، هذا إلى جانب ما تتطلبه المواقع الإلكترونية من تطوير مستمر للمحتوى لتكون جذابةً بما يكفي، ومتنوعةً لتستهدف جمهوراً واسعاً لها.
وبما أن عادات الجمهور قد تغيرت في ظل التحولات التكنولوجية السريعة، وتزايد استخدام شبكة المعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي في تناقل الأخبار ما جعل من مهمة الإعلام التقليدي في المنافسة شبه مستحيلة على الرغم ما للكلمة المطبوعة من دور مهم في مصداقية الخبر، هذا عدا التراجع الكبير في الإعلان التقليدي على صفحات الجرائد، والمجلات في ظل التسويق الإلكتروني، وكذلك التكلفة المنخفضة للإعلام الرقمي قياساً إلى سابقه، والأهم من كل ذلك هو أن المحتوى الرقمي غير مرتبط بجدول زمني محدد، وهو يتيح لمن يريد متابعته أن يفعل في الوقت الذي يناسبه.
إلا أن احتمال أن يحل الإعلام الرقمي محل الإعلام التقليدي بشكل كامل في المستقبل ليس أكيداً، إذ ما تزال هناك فجوات رقمية في بعض المجتمعات، كما أن فئات من المجتمع لم تزل محصنة ضد الغزو التكنولوجي، وهي الفئات الأكبر سناً، وهي تفضل الإعلام التقليدي على خلاف أجيال الشباب التي تندفع بشكل كبير باتجاه الإعلام الرقمي لتغذي من انتشاره، بينما تبقى هناك موضوعات لها خصوصية معينة من حيث المحتوى تظل أكثر ملاءمة للإعلام التقليدي منها للرقمي.
ربما ظهرت في المستقبل تقنيات جديدة تعيد للإعلام التقليدي بعضاً من الحيوية، أو ربما نشهد تكاملاً بين الإعلام التقليدي والإعلام الرقمي يمكن أن يحقق فوائد كبيرة لكلا الطرفين من حيث تبادل المحتوى لتحسين جودته، بحيث يستفيد كل منهما من الآخر على المدى المنظور، وسيؤدي هذا بدوره إلى إثراء تجربة الجمهور وتلبية احتياجاته بشكل أفضل.
ونحن مَنْ عاصرنا الصحافة التقليدية، والصحف، والمجلات الورقية، والتمعت في غرف جلوسنا شاشات التلفزيونات الفضية، وأدرنا أزرار المذياع لنرفع صوته، مازالت مسام جلودنا تتذكر ملمس الورق.. وما زال الحنين يأخذنا إلى تلك الذكريات التي كنا نتجمع فيها حول التلفاز بشكله التقليدي القديم.. وإلى المذياع ونحن ننصت إلى أغنية مع رشفات قهوة الصباح.
السابق
التالي