الثورة – ديب علي حسن:
ربما من الشخصيات المهمة جداً في المشهد الثقافي والإعلامي التي لم يتح كصحفي مهتم بالشأن الثقافي أن أجري حواراً معها على الرغم من أني متابع لكل ما تكتبه وتنجزه وأحتفظ ببعض مؤلفاتها المهمة.
لكن ما كتبته الأديبة جمانة طه أمس على صفحتها الشخصية هو تحية وفاء وإخلاص وحب وتقدير من مبدعة نعتز بها إلى مبدعة أيضاً هي ملء السمع والبصر ويجب أن نعترف أننا مقصرون نحوها.
وقبل الانتقال إلى بعض ما كتبته المبدعة جمانة طه نقدم لمحة عن بعض محطات حياتها..
محطات..
ولدت في دمشق حي العمارة 1932.
تلقت تعليمها في دمشق حتى المرحلة الثانوية ثم أتمت دراستها الجامعية في كلية الآداب – قسم الفلسفة – جامعة دمشق حيث نالت الإجازة في الفلسفة (1954- 1955). عملت في الصحافة.
قدمت برنامجاً ثقافياً من إذاعة دمشق لفترة طويلة كان سبب شهرتها في الأوساط الأدبية في سورية وخارجها. وهي عضو جمعية النقد الأدبي في اتحاد الكتاب العرب سورية.
ترجم كتابها الأول يا مال الشام إلى الإنكليزية من قبل المستشرقة الأمريكية البروفسور الدكتور أندريارو ” أستاذ علم الانتربولوجي والسوسيولوجي في جامعة سيراكيوز نيويورك، ويذكر أن الكتاب يقع في ثلاث مجلدات من الإبداع الفكري.
تعتز الأديبة سهام ترجمان بدمشقيتها وحبها لدمشق في كافة إصداراتها ومحاضرتها، وقد عبرت عن هذا العشق المستديم من خلال حبها لعبق الياسمين الدمشقي الذي ينمو على التربة الخصبة المروية من نهر بردى.
من مؤلفاتها
كتاب يا مال الشام
رواية جبل الشيخ في بيتي
رواية آه… يا أنا
كتاب رسائل الأميرة زينب الحسنية إلى الرائدة الشامية ماري عجمي
وفاء الإبداع..
كتبت السيدة جمانة طه تقول:
تحية إلى الصديقة العزيزة الأديبة الكبيرة سهام ترجمان.. مع كثير من الدعاء لها بالسلامة والمشافاة. منذ أيام أخبرتني صديقتي الصيدلانية السيدة سعاد غصن سلوم عن معاناة صديقتنا الأديبة سهام ترجمان من مرض عضال، فحزنت وفكرت بالكتابة عنها تحية لها وتذكيراً بها. وعندما أخذت القلم، شعرت بقلق وكأن الريح تحتي. فالكتابة عن أديبة كبيرة ارتبط اسمها بمدينتها ليس سهلًا، وإن كان ماتعًا. فما إن تُذكر دمشق يقفز إلى الخاطر اسم شامية الهوى سهام ترجمان، المزهوة حد التقديس بانتسابها إلى أقدم المدن وأكثرها عراقة. تقول سهام: “وكأني ما أتيت إلى هذه الدنيا إلا لأكون دمشقية. أفهم دمشق، أحبها وأكتب عنها وأرسم لوحات حارة الألوان عن حاراتها وعن أهلها وعن حاضرها وماضيها، وأحملها في داخلي وأمشي”.
ولدت سهام في عائلة دمشقية، بمنطقة العمارة عام 1931. درست الفلسفة في جامعة دمشق، وتخرجت فيها. عملت في الصحافة محررة ثم نائب رئيس التحرير في مجلة الجندي العربي الصادرة عن الإدارة السياسية للجيش والقوات المسلحة، وهي عضو في جمعية النقد الأدبي باتحاد الكتاب العرب. قدمت في الإذاعة السورية عدة برامج لاقت قبولًا عند المستمعين وفي الأوساط الأدبية. منها: برنامج المرأة، برنامج الحقيبة الدبلوماسية، برنامج القوات المسلحة، وبرنامج حماة الديار. كما حقق كتابها الأول “يا مال الشام” الذي صدر قي العام 1975 شهرة واسعة لها وله في الوطن والمهجر، بما تضمنه من العادات والتقاليد التراثية الشعبية الشامية، مثل: العرس الشامي، السيران (النزهات)، الزغاريد في الأعراس، والاحتفال بأول عيد لجلاء الفرنسيين عن سورية، وتوصيف للسهرات النسائية وما يتم فيها من تندر بالأمثال والنكت والطرائف، إلى جانب استعادتها بعض الأحداث الطبيعية مثل الثلجة الكبيرة والفيضان بفعل المطر الذي غمر المرجة وما يجاورها. كل هذا والكثير سواه تسرده سهام بلغة سهلة ولهجة شامية، وأسلوب يتناسب مع الموضوعات. وقد ترجمت هذا الكتاب إلى الإنكليزية المستشرقة الأميركية البروفيسور أندريارو.
وعن علاقتها بها تقول جمانة طه:
بداية معرفتي بالأديبة سهام ترجمان كانت صوتية على الهاتف، وذلك حين اتصلت بي وطلبت مني تزويدها بالأمثال التي تنال من كينونة المرأة ودورها في الحياة والمجتمع التي جمعتها تحت عنوان “الجنسوية”، لأنها كانت تعد حلقة تلفزيونية في هذا المجال لتقدمها مع الممثلة اللبنانية مادلين طبر. اعتذرت عن تلبية طلبها، إذ كان كتابي (الجمان) ما زال مخطوطة ولم يطبع بعد. وتجدر الإشارة إلى أني وجدت عددًا لا بأس به من الأمثال الشامية كثيرة التداول في كتابها الشهير “يا مال الشام” الذي رأيته للمرة الأولى في بيت أحد الأصدقاء في لندن.
نذرت سهام قلمها على وجه العموم للكتابة عن دمشق وعن كل ما يمكن أن يضيف إلى جمالها جمالًا وإلى أهلها رفعة وتأصيلًا أرومة ونسبًا. ومن فرط شغفها بوطنها، تمنت أن تضم بساعديها أجياله وتجعلهم سعداء، وأن تثير إعجاب العالم كله بالشعب والمكان. وعن الشام تقول: “الشام سرها مقدس. فهي قلبٌ ما تعود إلّا أن يُحب ويَضمّ. وهي المدينة التي مر بها ووصل إليها الأنبياء والرسل والقديسون.
جنوبها عند منطقة “القدم” وصل النبي محمد عليه السلام، وعلى الشارع المستقيم مشى القديس بولس إلى العالم مبشرًا بتعاليم المسيح عليه السلام.
لكنها وبرغم هذا الشغف لم تهمل قضية المرأة وطالبت بتأمين فرص التعليم والعمل لها، لتقوم بدورها في التربية والأسرة وتنمية المجتمع. إلى جانب اهتمامها بالتراث المادي في دمشق القديمة بقلمها وصوتها من خلال مناشدتها أولى الأمر التنبه والعمل على حماية الأبنيىة التاريخية وإيقاف هدمها.
المحبة واللطف والدماثة الدمشقية التي وسمت شخصية سهام، هيأت لها مكانة في قلوب الأصدقاء والناس. ولعل أهم ما يميز كتاباتها أنها تصدر من قلب محب وعن قلم بار بتلقائية وعفوية محببة تشعر القارئ بقربها منه، وتمنحه إحساسًا بالرضا والفرح والشعور بالفخار بدمشق الشام.
التفتت سهام إلى مسألة العيش المشترك في المجتمع السوري، فدمشق في رأيي تُعد أنموذجًا حيًّا لها. فالشام عالية المقام بسر المقدس، كانت معبرًا أو مقامًا لأنبياء وقديسين وعلماء. في الجنوب منها منطقة وطأ أرضها النبي محمد عليه السلام وسميت بعده ب “القدم”، وعلى الشارع المستقيم مشى القديس بولس إلى العالم، مبشرًا بالمسيحية، وفي الجامع الأموي مقام القديس يوحنا المعمدان أو النبي يحيى كما يسميه المسلمون، وعلى رابية في منطقة الصالحية يقوم مقام المتصوف الكبير محي الدين بن عربي.
ويمكن أن نشير في هذا المجال إلى الإصدار الأخير لسهام، ويتضمن رسائل من زمن عصر النهضة العربية تعود إلى الأميرة زينب الجزائرية الحسنية الدمشقية الإقامة، تبادلتها مع صديقتها الرائدة ماري عجمي صاحبة مجلة العروس، وحملت مواضيع متعددة اجتماعية وسياسية وثقافية.
من كتاب يا مال الشام اقتطفت هذه الزغاريد (الزلاغيط في اللهجة السورية):
= أوي ها يا عريس لا تعبس/ أوي ها فريد* البقجة والبس
أوي ها شواربك عروق الريحان/ أوي ها وسوالفها عروق النرجس
لي لي لي ليش
= أوي ها ديارنا كبيرة/ أوي ها ودرج الحمام فيها
أوي ها وأم العريس فرحانة/ ربي من عندو يهنيها
لي لي لي ليش
= أوي ها عيونك السود خلتني أنا غَنّي/ أوي ها عيونك السود نستني أبي وأمي
أوي ها بكون نايم بأحلى النوم متهني/ أوي ها بيجي خيالك على بالي وبيجنني
لي لي ليي ليش
= أوي ها مساكين أهل الهوى شو تيتمو/ أوي ها بعد ما كانوا كواكب عتمتو
أوي ها عطيتهن سر للحب وما كتمتو/ أوي ها يا حسرتي مين عاد يكتم سرنا
*فْرَيدْ: افتح *بقجة: قطعة قماش من الحرير توضع فيها الثياب
وقبل الختام أحببت وضع هذا المقطع من قصيدة للشاعر البولوني الوطني
“آدم ميتسكيتفيتش “1798م”.
أنا لست سوى مخلوق بشري
جسدي ملتصق بالأرض التي
أحببت
قلبي هنا في وطني،
ولكن قلبي يحيط العالم كله.).
السلام والصحة للأديبة المبدعة سهام ترجمان.. والشكر للأديبة جمانة طه التي تحمل في قلبها وحبرها عطر الوطن والوفاء لكل الأصدقاء والمبدعين.