يمن سليمان عباس:
تشير الدراسات التي تعنى بتاريخ الإنسان الاجتماعي إلى أن السوريين كانوا أول من دجَّن القمح وانهم أول من ابتكر فكرة المؤونة والاحتفاظ بها إلى غير مواسمها.
وهذا مازال مستمراً حتى الآن بدءاً من سلق القمح وتحويله إلى برغل وتجفيف البندورة والباذنجان والفاصولياء والبامياء.
وكذلك الفواكه التي يأتي على رأسها المشمش أو ذهب الفاكهة..
إذ يشكل موسم المشمش مناسبة للعمل والتخزين من قمر الدين إلى المربى.
ومن المعروف أن المشمش يشكل مصدراُ مهماُ للدخل بعد تصنيعه.
اليوم وقد قارب موسمه على الانتهاء وكان موسمه وفيراً.. لكن أسعاره لم تزل محلقة..
حول موسم المشمش كانت ناديا الغزي قد تحدثت قائلة: قبل أن تصل الثمار إلى المنازل تكون البلاد قد مرت بموجة شديدة من الحر يدعوها أهل المنطقة (طباخ المشمش).. فتستعد العائلات مباشرة بعد هذه الموجة لاستلام أكوام المشمش القادمة من البساتين.
المشمش البلدي: لمربى الحب.
المشمش الكلابي: للممروث وللمعقود المفلق، أما اليوم فيصنع المعقود (المفلق) من المشمش الفرنسي وهو عظيم الطعم.
ولا تخلو موائد في بلاد الشام، وبلاد الشام كبيرة من صنف او صنفين من المربى المحلى للمشمش الذي تتناقل سر صنعه العائلات، ولا تعتبر العروس سيدة بيت ممتازة الا بعد أن تجيد معادلة وضع الماء والسكر وكمية الحمض مع العناية التامة بتقليب المشمش حباً أو مزيجاً تحت نور الشمس.
إنه سر (القطر) الذي تغرق فيه حبات المشمش البلدي الرائعة وقد نخزت بأطراف الدبابيس لتشرب القطر. ولتصف من ثم في أوان كبيرة تدعى(الصواني) توضع على أسطحة المنازل.
وكانت الأسرة الموسرة الدمشقية تسكب معقداتها في (أطباق الصيني) الباهظة الثمن وتوضع الصواني على أسطحة المنازل، وحمام الشام يطير ويهدل محوماً، وآلاف من الدوائر الذهبية مركونة تحت حر الشمس وتحت أجنحة الحمائم.. تنضج بقدرة الخلاق، محملة بهدايا العافية للبيوت، للولائم، للبشر.
يهدي المشمش المعقود آلافاً من الدوائر الذهبية الباهظة الغنى للآكلين، للأطفال، للشيوخ، للعذارى.
الممروث
إلى جانب آلاف الدوائر الذهبية من آنية معقود المشمش البلدي المنتشرة فوق سطوح البيوت والقرى وفي مساحات البساتين تستقر أوان أخرى فيها ثمار المشمش الكلابي المهروسة المصفاة المخلوطة بالسكر وببعض الحمض. كل شيء بمقدار وكل صباح ومساء تصعد صبايا البيوت ليقمن بتحريك مربى المشمش الممروث كي تعانق كل ذرة منه لفحة الشمس فينضج المزيج كاملاً مكملاً،
وكم يحب أهل الشام الكمال والإتقان في أعمالهم.
نعم إنه الذهب الأصفر يزين موائدنا صيفاً وشتاء.. مشمش الغوطة وحماة وحمص وفي سورية مئات الأنواع منه تجود به كروم وأرض سورية.